حجاج نايل يكتب لـ (الشادوف) : فضفضة رايح جاي !!

0 474

كثيرا جدا ما سألت نفسي: هل بالفعل الأنظمة المتخلفة والمستبدة لابد- وحتما- أن تفرز نخباََ متخلفة ومستبدة ؟!!

اعتقدت أحيانا  أن المشكلة عندي أنا، وأن ذهني مشوش ومعيوب وغير قادر علي استيعاب حركة وفعل التاريخ والجغرافيا والمنطق فيما يتعلق بالنخب والطلائع العربية بكل تياراتها وتوجهاتها من اقصي اليمين الي اقصي اليسار، لكنني في حقيقة الأمر لم أعد قادراََ علي تحمل المزيد من منتج (العقل الجمعي) لهذه النخب وما يفرزونه من أفكار ومواقف ورؤي وممارسات تنسجم الي حد كبير مع بيئة عامة ومحيط وفضاء يماثلها في الحجم والجودة والتأثير فهي نخب فاقدة الصلة مع الكيانات المجتمعية الحية.

ولعشرات السنين لازالت تلك النخب تدهشنا برطانة وهمهمات تشكل لغة بينية فيما بينهم فقط!!

والأغرب من ذلك يصرون علي التواصل معها وتكراراها من جيل الي جيل بلا كلل او ملل او تغيير في حركة دائرية تاريخية تدهشك من فرط جمودها ومضغها كالعلكة التي فقدت حلاوتها منذ آلاف السنين. ومن بين هذه العلكات المستهلكة علي سبيل المثال وليس الحصر ما يلوكه أصدقاؤنا الناصريون والماركسيون والإسلاميون وحتي الليبراليون والمدافعون عن حقوق الإنسان.

الكارثة لم تعد تخص المحتوي او المضمون فقط، بل -ومن أسف- ما يعكسه هذا المحتوي علي الممارسات العامة والخاصة لأبطالنا من المثقفين العرب.

لديك مثلا تلك العلكة المقيتة التي نقرأها ونسمعها ونشاهدها آلاف المرات في يوليو من كل عام من طليعتنا الناصرية وهي يمكن اجمالها باختصار في الشراسة والهجوم المدمر لأي منتقد او مختلف مع انقلاب يوليو وشخص الزعيم جمال عبد الناصر في نوع من التقديس والسطحية البلهاء التي لا تتفق او تنسجم مع تيار وفصيل سياسي يضم شخصيات مرموقة وعقول قررت ان تغلق جميع فتحات الهواء علي نفسها بفعل هذا التقديس الذي يحرمهم من ميزة الإقرار والاعتراف بحق البشر في حريات الراي والتعبير بوصفه من الحقوق المقدسة التي لا يجب الاقتراب منها.

وأحيانا أفكر وأتساءل حول قدر وحجم هذا الهجوم من معارضة مضطهدة وخارج السلطة؟! فكيف سيكون الحال اذا تبوأت هذه الفصائل مواقع قيادية وسلطة  حقيقية؟!!

في هذا الموقف، والحقيقة أيضا أنني لست هنا بصدد مناقشة الاتفاق والاختلاف حول يوليو وعبد الناصر، لأن لي ثلاث مقالات طوال حول التجربة الناصرية علي موقع (الحوار المتمدن) تعكس موقفي بدقة،  لكنني مهتم اكثر هنا بالعقلية التي تتبني هذه التجربة بوصفها (روشتة للخروج من الازمات المعقدة للدولة المصرية).

ويقيني انه حال وصولهم الي السلطة سيقمعون معارضيهم بشكل ربما يفوق النظام الاستبدادي الحالي، وعلي نفس الوتيرة حركات الإسلام السياسي بكل فصائلها، لأن لديها ترسانة من أدوات القمع والاستبداد تصل الي حد التصفيات الدموية للمختلف او المنتقد لأفكارهم.

والحقيقة هم أكثر وطأة وبشاعة من سابقيهم الناصريين، فهم يخلطون بين أفكارهم وبرامجهم الأكثر تفاهة مع صلب الدين والخالق فمن ينتقدهم ينتقد الله والإسلام، ولست في حاجة الي الحديث عن تيارات التطرف العنيف داخل هذا الفصيل فهم دوما يتحدثون عن انفسهم بالقتل والذبح والاغتصاب والجرائم ضد الإنسانية لكنني أيضا أضع معهم التيارات الأخرى التي تدعي الحكمة والمشورة والاختلاف والحوار في سلة واحدة لانهم مبرمجين علي التقية والكذب والمناورة والخداع.

وهم انفسهم ارتكبوا مجازر إنسانية في كل بلد استولوا فيه على مقاليد السلطة. ففي السودان ذبحوا مئات الآلاف في دارفور ومناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان وجبال النوبة وفي غزة ذبحوا وقتلوا المئات من أشقائهم من الفلسطينيين.. وفي ايران وفي أفغانستان وفي ليبيا وفي سوريا وفي الصومال وفي الجزائر وفي اليمن وفي العراق وفي كل بقعة كونية يتواجدون فيها، ولا فرق عندي بين جميع هذه التيارات.

فكيف يمكن أن تأتي هذه القوي لتحكم شعوباََ لتفرض نسقاََ فكرياََ وأيديولوجياََ تحكمه أربعة مذاهب مختلفة فيما بينها، ناهيك عن القوتين الرئيسيتين (السنة والشيعة) وثالثة الأثافي أن كل مذهب وقسم وفريق منقسم على نفسه كالقنبلة الانشطارية، وله مفكريه وفقهائه المختلفين جذرياََ في كل فتوي وفريضة!!  

اما رفاق الدرب والمسيرة الطويلة من اليسار العربي أو الحركة الشيوعية العربية، فإلي جانب الأخطاء التاريخية القاتلة، والي جانب انهيار المعسكر الاشتراكي في أواخر ثمانينات القرن الماضي والذي كان بمثابة المسمار الأخير في نعش هذه الحركات، لايزال البعض منهم يكابر حول أي مراجعات جادة لهذه الفكرة العظيمة في بعض جوانبها.

ولا يزال هناك من يعتقد أنه رغم هذه الثورة الهائلة والجبارة في العلم التجريبي والتكنولوجيا والاتصالات، يمكن أن نعيش في منظومة ( ديكتاتورية البروليتاريا) وحزب الطبقة العاملة، واستبدال الطبقة او الطبقات بالحزب الواحد، وكما اتحفنا مظفر النواب لازلنا نسمح بالخرقة حد السيف ولازلت حتي الآن اقرأ كتابات ماركسية تستخدم نفس أدوات التحليل السياسي القديمة المستهلكة والتي في تقديري تجاوزتها كتابات عصرية من داخل معاقل الرأسمالية العالمية.

لكن ما يحسب لهذا التيار هو أن قطاعاََ كبيراََ منه قام بمراجعات فكرية محترمة، ناهيك عن استيعابه لأهمية النقد والنقد الذاتي ونقد ماركس والماركسية، علي خلاف أصدقائنا الناصريين الذين (يفترسون) كل من تسول له نفسه الحديث عن يوليو أو عن جمال عبد الناصر بانتقاد أو سوء!!

واخير أصدقاء المرحلة من المدافعين عن حقوق الانسان.. والحقيقة أن هذا موضوع طويل جدا، ولن تسمح لي مساحة هذا المقال في الكتابة حول كل  ما يتعلق بهم حيث أنني لن أتحدث في خلفيات الأجيال القديمة من الحركة الحقوقية التي انتقلت الي العمل الحقوقي من مطابخ سياسية مختلفة حاملين معهم كل أمراض الشللية والحلقية والشخصانية وضيق الأفق التي نجحوا الي حد كبير في توريثها لما يسمي بالموالاة او تلاميذهم !!

ولن أتحدث عن التكتلات والتحالفات القائمة علي أسس الاستلطاف الشخصي أو القرابة أو الصداقة خارج المجال أو النسب أو الطبقة الاجتماعية والتي حيدت معها قطاعات من مؤسسات الدعم والتمويل التي تعتبرهم مصدرا للثقة والمصداقية، وبالتالي حرمت كل المختلفين أو المخالفين لهم من الحصول علي دعم تلك المؤسسات.

ولن اتحدث عن الطريقة التي تدار بها الترشيحات للجوائز والمنح الدراسية والسفريات خارج البلاد لمن هم أكثر ولاءََ وليسوا أكثر كفاءة وأمور أخري كثيرة جدا، لن استطيع الحديث فيها لأنني لا زلت أعمل من داخل المطبخ الحقوقي، لكنني سأتحدث فقط في نقطة واحدة وهي ان الربيع العربي وحركة الشعوب بوصفها من الأحداث الجسام في المائة سنة الأخيرة لم تستطيع توحيد الحركة الحقوقية ولم تستطيع ان تخلق تيارا موازيا قادرا علي صون الحقوق والحريات وحماية الضحايا والسجناء والمعتقلين.

بمعنى آخر، لم يستطع الربيع العربي بكل الملايين الهادرة التي تحركت خلاله، واهتز لها العالم، أن تزعزع العقلية المهيمنة علي الحركة العربية لحقوق الانسان قيد أنملة باتجاه تأسيس تشكيلات صلبة ومدعومة وقادرة علي مواجهة هذه الأنظمة المستبدة.

لم يستطع هذا المارد أن يغير من سياسات واستراتيجيات قادة الحركة العربية لحقوق الانسان.. ولم يستطع هذا الربيع أن يحسم الخلافات التاريخية التي قطعت أوصال المؤسسات الحقوقية الي جزئيات يستطيع أصغر وأتفه مخبر في قسم شرطة القضاء عليها !! ومن أسف، فإن هذا هو ما حدث بالفعل!!

لقد دفع الجميع الثمن: القادة المهيمنون والجنود والعاملون في المنافي.. وأبلغ دليل هو قرارات المنع من السفر، والسجون، ناهيك عن تغول وسيطرة نوعية من المؤسسات الحقوقية يديرها حقوقيون هم علي احسن تقدير، محايدون وصامتون !! وللتباريح بقية..

حجاج نايل

حقوقي مصري مقيم فى كندا

استشاري لدي مؤسسات الأمم المتحدة

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

مقالات الرأي تعبر عن آراء أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية

المشاركات الاخيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.