حجاج نايل يرد على حسن المجمر: الموتى فقط هم المحايدون !
كتب الأستاذ الفاضل الدكتور حسن سعيد المجمر مقالا على موقع “الشادوف” المحترم، نشر في 17 يوليو بعنوان: “حقوق الانسان لا تناهض معتقدات الناس” ومع كل التقدير والاجلال للدكتور حسن وهو أحد المتخصصين في مجال القانون الدولي وحقوق الانسان فليتسع صدره وليسمح لي بإبداء بعض الملاحظات على مقالته وانا اثق في ان قدرات وسماحة دكتور حسن لبناء حوار طويل وعميق وليست لدي قناعات مسبقة حول الموضوع ومعكم سأقر بصحة الأفكار المخالفة دون حساسية.
أولا ومن حيث المبدأ التعميم في عنوان المقال علي هذا النحو قد يؤدي الي نتائج كارثية في تقدير ماهية منظومة حقوق الانسان وشرعيتها التي امتدت الي اكثر من 70 عاما حاولت البشرية وضع انساق قيمية وحضارية وإنسانية كمسطرة معايير لقياس مدي الالتزام والاحترام لهذه القواعد والاليات حتي وان واجه العالم صعوبات بالغة في إنفاذها علي نحو منضبط ومن ثم ومنذ لحظة ولادة هذه الشرعة الكونية وحتي كتابة هذا المقال وفي كل مناسبة او حديث او نشاط او مطبوعة تتحدث عن حقوق الانسان تؤكد علي مناهضة بعض المعتقدات التي وان لم تناهضها لتحول العالم الي سلخانة بشرية يندي لها الجبين فشرعة حقوق الانسان ياسيدي هي ضد المعتقدات التي تنطوي علي مرجعيات إرهابية او تكفيرية او عنصرية او تمييزية او استبدادية علي أسس الدين والعرق والاثن واللغة واللون والثقافة والوضع الاجتماعي او الطبقي او الجندري او الجنسي وللأسف الشديد يا دكتور هذه معتقدات الناس في الغالبية الساحقة من بلدان العالم بل هي معتقدات متغلغلة في شعوب وجماعات الأرض بل وشكلت في أحيان كثيرة مبررا لسفك الدماء وذبح الضحايا وتعذيب البشر وارتكاب ابشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية انطلاقا من هذه المعتقدات المعنونة في مقالكم بالمطالبة بعدم مناهضتها واتصور ان عدم مناهضة معتقدات الناس بهذا المعني الجمعي التعميمي هي دعوة لأن يذهب نصف او ثلاثة ارباع سكان الأرض الي الموت المحقق علي ايدي معتنقي هذه المعتقدات.
ثانيا
إذا تجاوزت عن المفهوم السابق للعنوان ودخلت مباشرة فيما تقصده في مقالكم بأن المدافعين عن حقوق الانسان ينحازون لأفكارهم وأيدولوجياتهم ومعتقداتهم الشخصية وذلك من خلال هجومكم الضاري علي المدافعين عن حقوق الانسان في المنطقة العربية فحقيقة الامر هذه كارثة أكبر لعدة أسباب:
- من حيث المبدأ جميع المدافعين حقوق الانسان يجب ان يقوموا بالدفاع عن وحماية جميع ضحايا الانتهاكات بغض الطرف عن توجهات الضحية بل ازيدك من الشعر بيتا حتي لو كانت الضحية جلاد او ديكتاتور سابق او مرتكب لجرائم ضد الإنسانية يجب ان تطبق عليه معايير حقوق الانسان والمحاكمات العادلة وعدم تعرضه لاي انتهاك يتصل بجسده او نفسيته او حياته وظني ان جميع المدافعين عن حقوق الانسان في المنطقة العربية يقومون بهذا بالفعل ودعني أؤكد لك هذه المعلومة من داخل المطبخ الإقليمي لحركة حقوق الانسان العربية وأؤكد لك انني قضيت 32 عاما في مجال الدفاع عن ضحايا حقوق الانسان 75% من الضحايا الذين دافعت عنهم كانوا من الجماعات المتطرفة والتكفيرية ومن اتجاهات الإسلام السياسي الذين اختلف معهم جذريا بل الأكثر من هذا جميع الاعتداءات البدنية التي تعرضت اليها كناشط سياسي وحقوقي طوال هذه الفترة كانت من قبل تلك الجماعات ولم تكن من الأجهزة الأمنية ومع ذلك لم يحرك كل هذا أي من قناعاتي بالدفاع عنهم وزيارتهم في السجون والمطالبة بإنفاذ جميع اتفاقيات حقوق الانسان عليهم.
- الامر الاخر ياسيدي المعايير التي وضعتها في مقالتكم من محاولات السعي الي السلطة والانتقائية في الدفاع عن الضحايا قد تكون موجودة بالفعل لدي البعض لكن دعني اطمئنك انهم ليسوا حقوقيين محترفين وكما تعلم اكم من مئات الأشخاص والمنظمات الذين انضموا الي قافلة الحركة العربية لحقوق الانسان في سنوات الفوضى الأخيرة اما سعيا الي التمويل الأجنبي او سعيا للعمل مع الحكومات واما من تعثر في الحصول علي وظائف ومهن يتعايشون منها واما وفقا للوجاهة الاجتماعية فانضم مئات الي الحركة الحقوقية وهم ليسوا علي معرفة باي اتفاقيات او مواثيق بل دعني أؤكد لك ان بعضهم ليس لديه قناعة بمنظومة حقوق الانسان من الأصل وهذه إشكالية سوف تجدها في كل المهن والوظائف الأخرى وبطبيعة الحال انت تتحدث عن نماذج من المدافعين عن حقوق الانسان أيضا هم نشطاء سياسيين بالدرجة الاولي وبانتهاء وفناء الحركات السياسية والأحزاب والنقابات التي اجهزت عليها السلط السياسية الاستبدادية في البلدان العربية لجأوا الي العمل الحقوقي من قبل الاستمرارية في الاتصال بالشأن العام.
- يبقي لدي الحديث في المستوي الحقوقي الاحترافي في المنطقة العربية فهؤلاء في تقديري لم يعد لهم وجود داخل البلدان العربية وحتي ان وجد البعض منهم فهم معزولين ومحجوبين ومهددين وهم الحقيقة بين مطرقة هذه الأنظمة الاستبدادية المتوحشة وسندان معتقدات الناس المتمثلة في الإرهاب والتطرف العنيف ناهيك عن الثقافة والضمير الجمعي والذي اصبح بطبيعة الحال عنصري وعنيف بفعل انتشار الوهابية والسلفية والداعشية والقاعدية والفقر المدقع وقمع السلطات الذي حول المزاج العام لشعوب المنطقة الي مزاج كارثي ينضح بكل ماهو مناهض لمنظومة حقوق الانسان في مستوياتها المختلفة هؤلاء ياسيدي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ينحتون في هذه الصخرة العربية التي تراوح مكانها بل ارتدت عشرات السنوات الي الخلف بعد انتكاسة ما سمي بالربيع العربي استطيع ان ارسل لسيادتكم قوائم بعشرات المنظمات الاحترافية التي أغلقت أبوابها وهاجر وسجن وتشرد واجبر علي الصمت العاملين بها في مصر واليمن والعراق وليبيا وسوريا وفي السودان منذ 31 عاما وفي كل دول الخليج ومنهم من لقي حنقه بالفعل ومنهم من هو محكوم بسنوات طويلة في السجن.
- الامر الأخير وهو جانب شخص فجل ما اخشاه ان يكون المقال هو انطباع شخصي يعكس أمرين :
الأول بعض التجارب المحدودة مع حالات من الانتهاك التي كان تقدير الغالبية العظمي من الشهود غير الحقوقيين انها ليست حالات انتهاك جادة او خطيرة وفقا لمعايير بعض الحقوقيين والمنظمات وسأضع لك مثالا مصغرا هنا معتقل برغم ما اثير حول دوره السلبي الداعم لانتهاكات حقوق الانسان والمؤيد لها في ظل نظام سيسي سابق مكفوله له كل حقوقه السياسية ولدية مشكلة صحية في عينه ويصر ان تجري له جراحة خارج السجن بالرغم من تأكيد أطباء السجن انها حالة بسيطة ولا تستدعي جراحة خارج السجن وان بإمكان أطباء السجن اجراء هذه الجراحة بسهولة فاين هو الانتهاك وما الذي يستدعي صدور بيان من منظمات حقوقية لمعتقل لا يعذب ولا تنتهك حقوقه وحياته ليست في خطر وبرغم كل هذا اتفق الجميع علي ضرورة احترام قواعد حقوق الانسان في التعامل معه.
الثاني جل ما اخشاه أيضا يا دكتور ان يكون انحياز حضرتكم لايدلوجية محددة او اتجاه فكري وعقائدي محدد لم يكن هناك انسجاما تاريخيا بينه وبين منظومة حقوق الانسان هو خلف هذه الانطباعات على المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الانسان والحقيقة هذا ليس من عندي بل انقل رسائل الطرف الاخر أيضا والذي يؤكد علي ان الانحياز والتعاطف مع هذه النوعية من الضحايا والذين لم يتعرضوا لاي انتهاك هو خلف هذا التصور عن حقوق الانسان ومنظماتها في المنطقة العربية.
حجاج نايل
حقوقي مصري مقيم فى كندا
استشاري لدي مؤسسات الأمم المتحدة
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
مقالات الرأي تعبر عن آراء أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية