حازم غراب يكتب: المراسلون الأجانب بمصر..حكايات ونوادر
من ذكرياتي في جمعية المراسلين الأجانب، الزميل المراسل الهولندي وجده الروحي سنوك.
للمذكور سنوك قصة حقيقية كان بطلها معي شخصيا أحد أحفاده.
الحفيد كان مراسلا صحفيا هولنديا مقيما بالقاهرة. تزاملنا معا في مجلس إدارة جمعية المراسلين الأجانب بالقاهرة في التسعينيات. الزميل اسمه (كيث هيلسمان) وكان يراسل الراديو الهولندي، ويقيم وقتذاك في المعادي.
علمت بطريقة أو أخرى أنه كان يمارس التبشير سرا إلى جانب عمله الصحفي. ذات يوم وأثناء رحلة كنا نظمناها ليزور المراسلون دير وادي النطرون تعرفت على صحفي إندونيسي شاب جاء حديثا إلى مصر وسجل نفسه في عضوية جمعية المراسلين والتحق بالرحلة.
كنت أجلس في الحافلة وإلى يساري كيث هيلسمان وبالمصادفة جاء الشاب الإندونيسي ليجلس على يميني. بعد تعرفي عليه عرفته بالزميل هيلسمان قائلا بمزاح صادق: أقدم لك زميلنا القديم الذي جاء من الدولة التي احتلت بلدك إندونيسيا.
تبسم هيلسمان بخبث وعلى الفور سأله زميلنا الإندونيسي: هل تعرف المستشرق الهولندي المسلم سنوك هيرخورنيه؟
رد هيلسمان بسرعة وفخر: إنه جدي الروحي، وأضاف: هو لم يسلم كما تعتقد واعتقد كثيرون من مسلمي بلدك، بل تظاهر بإسلامه وتزوج مسلمة إندونيسية ليسهل عليه التبشير بالمسيحية وسط الإندونيسيين. ساد صمت مؤلم لي وللزميل الإندونيسي طوال بقية الرحلة إلى دير وادي النطرون بصحراء مصر الغربية. ولتلك الرحلة تفاصيل ونوادر أخرى تستحق روايتها لاحقا.
من ذكرياتي المرة في مهنتي:
ذهبت مع صديقي الصحفي الياباني المحب لمصر لإجراء مقابلة صحفية مع شيخ الأزهر (الراحل) محمد سيد طنطاوي. خرجنا من اللقاء فإذا بزميلي (إيشيآي) يعاتبني: هل هذا الرجل حقا يمثل دين الإسلام الذي عرفته فيكم ومعكم؟!
ثم أضاف، وهو الصحفي الذي عمل في كبرى صحف اليابان <أساهي شيمبون>: مستنكرا وحزينا: ما هذا التجهم وما هذه العجرفة؟! ولماذا لم يعتذر عن مقابلتنا إذا كان غير مستعد نفسيا لمقابلة صحفي ياباني غير مسلم؟!
لم أملك لنفسي وله سوى الندم على الدقائق التي تأذينا فيها من سوء استقباله ومن إجاباته ومن لغة جسده!
ومن ذكرياتي الطيبة في مهنتي: إنتاجي مجموعة من التحقيقات التليفزيونية الخفيفة التي قدمت فيها بعضا مما يميز هويتنا المصرية الإسلامية ومنجزات مجتمعاتنا…
أخذت أول مدير لي من اليابانيين إلى الراحل المفكر مصطفى محمود. كنت أتناقش مع المدير الياباني في حتمية الدين للإنسان. ولما تعبت من جدال جيد معه، قلت له تعالى نسمع من أحد مفكرينا في الدين الإسلامي.
وعندما ذهبنا للقاء الدكتور مصطفى محمود، بادره الياباني بقوله: نحن اليابانيون أنجزنا وتطورنا دون دين سماوي. فما حاجتنا للدين؟!
التفت الدكتور مصطفى وقرأ له ولي: (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).
بعد نحو سنة فوجئت بالمدير الياباني يقول لي: أنا مسلم!
وأخذت الرجل إلى المدرسة القرآنيه التي يبدأ فيها الطفل المسلم تعلم كيفية قراءة وفهم القرآن. ذهبنا ننتج تحقيقاً عن كُتّاب القرية.
بعد نحو أسبوع فوجئت بالمصور المصري (محمد جوهر) الذي صور لنا كتاب القرية، يهاتفني وينتج نفس التحقيق لشبكة تلفزة أميركية.
ومن ذكرياتي الطيبة في مهنتي: تحقيق تليفزيوني عن محصول القطن وعملية جني أطفال القرية للقطن.
تناولنا في التحقيق التليفزيوني مسألة صعوبة رعاية زراعة القطن وتكاليفها المرتفعة.
بعد شهور قرأت خبرا يعرض فيه اليابانيون استئجار مساحات من أراضي مصر الزراعية يقومون فيها بزراعة القطن ومعالجة وحل كل مشكلاته.
هذه الذكريات ليست فراغا مهنيا، بل أنني أعتبر أنه يتعين على الكهول أمثالي رواية بعضا من تجاربهم فى مهنة الصحافة والاعلام. قد يتعظ أو يستفيد بها البعض أو يتجنب جيل الشباب الوقوع فى نفس المشاكل التي واجهناها فى مسيرتنا المهنية. ولو عاد بي الزمان ما سعيت لمقابلة أيٍ من المنافقين شيوخ السلطة. الأهم من هذا كله، أنني أعتبرها زكاة خبراتنا وهي واجبة علينا.
حازم غراب
إعلامي مصري
المدير السابق لقناة ( مصر 25 ) المصرية
****************************************************************
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية