بيانات متبادلة بين القاهرة وبرلين على خلفية تزايد الضغوط الدولية على النظام المصري
فيما تبادلت مصر وألمانيا بيانات شديدة اللهجة على خلفية محاكمة عدد من النشطاء المصريين الذين يخضعون لمحاكمة من المتوقع أن تصدر أحكامها الاثنين 20 ديسمبر 2021 على 3 ناشطين يحاكمون على ذمة تهمة “نشر أخبار كاذبة”، وهم المحامي محمد الباقر، والناشط السياسي علاء عبد الفتاح والمدون محمد إبراهيم الشهير بـ”أوكسجين”، تشهد أوساط بعض المعارضين المصريين تحركات يصفها مراقبون بأنها تستهدف التشويش وجذب الانتباه عن الضغوط الدولية التي يعاني منها النظام المصري فى ملف حقوق الانسان.
ومن المنتظر أن تصدر محكمة جنح أمن الدولة طوارئ، في جلستها يوم الاثنين 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حكمها على الناشط السياسي علاء عبد الفتاح ومعه المحامي الحقوقي محمد الباقر والمدون الصحافي محمد إبراهيم رضوان الشهير بـ”أكسجين”، في القضية رقم 1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ، والمنسوخة من قضيتهم الأساسية التي تحمل رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، والتي تجاوزوا فيها الحبس الاحتياطي المنصوص عليه بعامين.
وفي أغسطس/ آب الماضي، قررت نيابة أمن الدولة العليا إحالة الباقر وعلاء وأكسجين للمحاكمة، بعد نسخ قضيتهم إلى قضية أخرى أمام محكمة الجنح، بعد أكثر من عامين على حبسهم الذي بدأ في سبتمبر 2019.
وأصدرت وزارة الخارجية الألمانية الجمعة بيانا أكدت فيه أن الحكومة الاتحادية تعتبر حكم المحكمة بمثابة إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر، وطالبت بالإفراج عن الثلاثي، وردت مصر ببيان عبر وزارة خارجيتها قالت فيه أن الأسلوب الألماني ينطوي على تجاوزات غير مقبولة ويعد تدخلا سافرا وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري.
وبينما أشاد نشطاء ومعارضون بالبيان الألماني، فقد أشاد مؤيدو السلطة المصرية ببيانها المضاد وشن إعلاميون مقربون منها هجوما شديدا على الحكومة الألمانية. قضت محكمة مصرية متخصصة في قضايا الإرهاب، بالسجن المؤبد على محمود عزت القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان في القضية المعروفة إعلاميا بـ”التخابر مع حماس”.
من ناحية أخرى، اتهمت النيابة المصرية محمود عزت في القضية المقيدة برقم 56458 لسنة 2013، قيامه وآخرين، بالتخابر مع “من يعملون لمصلحة منظمة مقرها خارج البلاد، وهي التنظيم الدولي للإخوان و(..) حركة المقاومة الإسلامية حماس للقيام بأعمال إرهابية داخل مصر”.
وأضافت النيابة أن محمود عزت اتفق مع آخرين على التعاون معهم في تنفيذ أعمال إرهابية داخل البلاد وضد ممتلكاتها ومؤسساتها وموظفيها ومواطنيها بغرض إشاعة الفوضى وإسقاط الدولة المصرية؛ وصولا لاستيلاء جماعة الإخوان على الحكم بأن فتحوا قنوات اتصال مع جهات أجنبية رسمية وغير رسمية لكسب تأييدهم لذلك، وتلقوا دورات تدريبية إعلامية لتنفيذ الخطة المتفق عليها بإطلاق الشائعات والحرب النفسية وتوجيه الرأي العام الداخلي والخارجي لخدمة مخططاتهم.
يذكر أن المحكمة أصدرت حكمها في هذه القضية بالمؤبد والسجن على عدد من قيادات جماعة الإخوان، بينهم محمود عزت الذي صدر الحكم ضده غيابيًا وجرت إعادة محاكمته عقب القبض عليه. وتولى عزت منصب المرشد العام بالإنابة في 20 أغسطس/ آب 2013، عقب القبض على المرشد محمد بديع، بعد أيام من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، بعد أن كان نائبا للمرشد آنذاك.
وألقت قوات الأمن المصرية القبض عليه في أغسطس/ آب 2020 في إحدى الشقق السكنية في حي التجمع الخامس في القاهرة.
وقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية، السبت، بياناً عبّرت فيه عن استياء مصر الشديد تجاه البيان الصادر عن الخارجية الألمانية الذي طالب بالإفراج عن عدد من النشطاء الحقوقيين المرتقب إصدار الحكم في قضيتهم في الـ20 من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وأوردت مصر عبر بيان لخارجيتها “ترفض وزارة الخارجية التصريح الصادر عن الحكومة الألمانية بشأن جلسة المحاكمة المنتظرة لعدد من المتهمين أمام القضاء المصري”.
وتابع البيان أنّ “هذا الأسلوب ينطوي على تجاوزات غير مقبولة ويعد تدخلاً سافرًا وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري، ويُصادِر على مسار قضائي دون دليل أو سند موضوعي”. وأضاف البيان، أنه “من المُستغرَب أن تطلب الحكومة الألمانية احترام القانون، وتدعو في ذات الوقت للتدخل والتأثير على أحكام القضاء المصري الشامخ والمشهود له بالاستقلالية والحيادية والنزاهة، وهو ما نرصد معه ازدواجية المعايير”.
وأكدت الخارجية المصرية، “رفضها الكامل للتدخل في الشأن الداخلي، ووجوب احترام سيادة القانون ودستور الدولة المصرية، وأن افتراض نتيجة بعينها هو أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً لما يُمثله ذلك من إهدار للقضاء والعدالة، ولمبادئ سيادة القانون، وما ينص عليه الدستور من الفصل بين السلطات”. وتابع أنه “من الأحرى أن تلتفت الحكومة الألمانية لتحدياتها الداخلية بدلاً من فرض وصايتها على الغير”.
وكانت وزارة الخارجية الألمانية قد صرّحت بأن “الحكم المرتقب النطق به في يوم 20 ديسمبر الجاري بحق المحامي محمد الباقر، يعد بالنسبة للحكومة الاتحادية بمثابة إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر”. وأضافت الخارجية عبر حسابها على موقع “تويتر” الجمعة، أنّ الحكومة الألمانية تتوقع أن “تعمل الحكومة المصرية على تحقيق محاكمة عادلة وكذلك الإفراج عن الباقر والمتهمين الآخرين علاء عبد الفتاح، ومحمد إبراهيم”.
وشددت على أنه “لا يجوز معاقبة المحامين على ممارسة نشاطهم المهني”. وتابعت أنه “من وجهة نظر الحكومة الاتحادية، فإنّ حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي ومشاركة جميع الأوساط الاجتماعية، والاستقرار المستدام”. واختتمت: “نثمن الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق أول استراتيجية مصرية لحقوق الإنسان في سبتمبر، وسوف نتابع تنفيذها باهتمام كبير”.
وكانت مفوضة الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان، بيريل كوفلر، قد نددت، في وقت سابق، باستمرار اعتقال المحامي المدافع عن حقوق الإنسان، محمد الباقر، المستمر منذ ما يقرب من عامين حتى الآن. ولفتت كوفلر، في بيان لها، إلى أنه “يجب عدم معاقبة المحامين على عملهم المهم”.
ودعت المفوضة الألمانية، السلطات المصرية، إلى تحسين ظروف احتجاز الباقر، بما يشمل “توفير سرير له، وكذلك قضاء وقت في الهواء الطلق، والتمكن من الوصول إلى الأغراض الشخصية مثل الكتب أو الملابس”.
في الوقت نفسه، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، إن الحكومة المصرية بدأت ما لا يقل عن خمس محاكمات في “محكمة أمن الدولة طوارئ” ضد حقوقيين، ونشطاء، ومعارضين سياسيين بارزين بشأن جرائم مزعومة متعلقة بالتعبير، قبل إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في 25 أكتوبر 2021 إنهاء حالة الطوارئ في البلاد.
ومن المتوقع أن تصدر محكمة حكما في قضية الناشط علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدون محمد “أوكسجين” إبراهيم بتهم “نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد”، الإثنين.
وفي 15 ديسمبر، أُرجِئت محاكمة 31 عضوا “فعليين ومزعومين” في المنظمة الحقوقية البارزة “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات” إلى 26 ديسمبر. وقالت المنظمة إن “ما لا يقل عن 48 حقوقيا، وناشطا سياسيا، ومعارضا محتجزين ظلما وقضوا شهورا وسنوات محبوسين احتياطيا أُحيلوا إلى محاكم الطوارئ لمحاكمتهم، قبل أن يرفع الرئيس حالة الطوارئ. أشارت الخطوة إلى عزم الحكومة على إخضاع هؤلاء المعتقلين للقواعد الاستثنائية لهذه المحاكم”.
وتقول المنظمة: “يمنح قانون الطوارئ الرئيس، أو من يفوضه، سلطة المصادقة على الأحكام أو إلغائها وتخفيفها، ما يقوض استقلالية هذه المحاكم وحيادها. كما يتمتع الرئيس بسلطة واسعة لتعيين قضاة محاكم أمن الدولة طوارئ والتحكم في تكوين هذه المحاكم”.
جاء ذلك بينما استنكر رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري، طارق رضوان، بشدة التصريحات الصادره عن وزارة الخارجية الألمانية بشأن محاكمة متهمين أمام القضاء المصري، ودعوتها للإفراج عن متهمين على ذمة جرائم، معتبرا ذلك “تدخلا سافرا” في الشأن المصري.
وقال رضوان، في بيان، الأحد، نقله مراسل الحرة، إن مصر دوله “ذات سيادة لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية، وقضاءها مستقل ولا سلطان عليه”، معتبرا التصريحات الألمانية “خروجا سافرا علي مقتضيات العمل الدبلوماسي”. وأضاف المشرع أن القضاء المصري “شامخ ولا يقبل الوصاية من أحد، والقاضي لا يتحرك ولا يصدر أحكاما إلا بما يرضي ضميره دوت أي تدخل أو حسابات أخري”.
وطالب رضوان ألمانيا بمراجعة موقفها والعدول عما أدلت به.
المصدر: الشادوف+وكالات