النائب محمد العمدة يتساءل: لماذا يعيد التاريخ نفسه في مصر؟!
عندما أغاث الله عز وجل مصر بمرض الفرعون: كتبت صحيفة (المصري اليوم) الخاصة التالي : ” كان لثورة 1919 بزعامة سعد زغلول باشا دور مهم فى صدور التصريح البريطاني باستقلال مصر فى 28 فبراير 1922م .
وقد لعبت الحركة الوطنية دوراً تاريخياً عندما وضعت فى أولى مهامها وضع دستور يحقق طموحات وكفاح الشعب المصري ، فسارعت بتشكيل لجنة من 30 عضوا ممثلين للأحزاب الوطنية وقادة الحركة الوطنية والزعامات الشعبية وإصدار دستور 1923، وكان ذلك تتويجا لكفاح شعب مصر ، وعلامة بارزة فى تاريخها ، فهذا الدستور فرض قيودا شديدة على سلطات الملك ، ومكن الشعب من ممارسة سيادته من خلال مجلس نيابي ينازعه السلطان وحكومة برلمانية ممثلة للسلطة التنفيذية !.
ولقد ضاق الملك فؤاد من هذا الدستور ، ووجد من ترزية القوانين من يضع دستورا جديدا يعطى للملك جميع السلطات ، مثل : الاعتراض على أى قانون يقره البرلمان ، والحد من محاسبته للوزراء و….
وفى 22 فبراير 1930م استصدر إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت مرسوما ملكيا بإلغاء دستور 1923م ، حيث لم يكن من المؤمنين بالحياة الديمقراطية ، وبذلك صدر دستور 1930م ليطلق يد الملك فؤاد فى جميع مناحي الحياة دون أى معارضة..
إلا أن الشعب المصري ظل يقاوم هذا الدستور ، واستطاع من خلال الجبهة الوطنية أن يسقط دستور 1930 بعد خمس سنوات والعودة مرة أخرى بدستور 1923م ، وكان هذا تتويجا لكفاح الشعب البطل ، هذا وقد ظل العمل به حتى جاءت ثورة 1952 وقامت بإلغائه ” .
ونقول : بالطبع ما كان الملك فؤاد ليقبل بدستور ١٩٢٣م والذي ينص في مادته رقم ( 23 ) على أن :
( جميع السلطات مصدرها الأمة واستعمالها يكون على الوجه المبين بهذا الدستور ). ، في الوقت الذي يرى فيه الملك فؤاد أن مصر ملك له بالميراث عن المرحوم جده محمد علي باشا ، وأن السيادة له وليس للشعب ، لذا اختار الملك فؤاد إسماعيل صدقي باشا رئيسا للوزراء ليحقق له كل ما يريد .
والعجيب أن إسماعيل صدقي كان ممن تم نفيهم مع سعد زغلول أثناء مطالبتهم بالسفر لحضور مؤتمر باريس لمناقشة قضية استقلال مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، لكن يبدو أنه كان من أصحاب الطموحات الشخصية وليس الوطنية ، فعندما وجد الفرصة ليصبح من كبار رجال الملك فؤاد ، مقابل أن ينفذ له كافة رغباته لم يتردد ، وكانت فترة حكمه جحيما على الشعب المصري ، وألغى دستور ١٩٢٣م ، وأصدر دستور ١٩٣٠م لصالح الملك وعلى حساب الشعب .
وخلال فترة رئاسة إسماعيل صدقي للوزراء ، كانت هذه أفعاله وخصاله :
- أصبح إسماعيل صدقي حليفا لليهود ، ولم يكترث بالقضية الفلسطينية أو مآسي الفلسطينيين .
- انقلب على مكتسبات الشعب الديمقراطية بإلغاءه دستور ١٩٢٣م ، وإصداره دستور ١٩٣٠م .
- كان دمويا قتل أعدادا لا تحصى من المصريين ، وكان ساديا قاسيا اعتقل أعدادا لا تحصى من المصريين وأذاقهم العذاب في السجون ليموتوا صبرا ، ولم يستثن عالما ولا شيخا ولا مسنا ولا صغيرا ولا إمرأة ولا فتاة ولا مريضا .
- كان عدوا لكل مظاهر الديمقراطية ، حرية الرأي والصحافة والتظاهر والانتخابات النزيهة ، حيث أفسد القوانين الانتخابية ليسهل التزوير ، ثم استغل أجهزته الأمنية لإخراج نتائج الانتخابات على النحو الذي يريد ، التاريخ يثبت له أنه صاحب اختراع إفساد القوانين الانتخابية وتزوير الانتخابات .
في مقال كتبه الأستاذ علي القماش ردا علي كاتبة بالأهرام مبهورة برئيس وزراء مصر إسماعيل باشا صدقي يقول فيه :
وهذا عرض تاريخي لإسماعيل صدقي المنبهرة به الكاتبة ورأى أحد كبار الكتاب والمؤرخين فيه لعلها تتراجع عن تجاوزها بوصفها منتقديه بالغوغائية !.
أولا: علاقات إسماعيل صدقي باليهود:
نخرج قليلا من مقال الأستاذ علي القماش لنعرج إلى كتاب ” إسماعيل باشا صدقي ” في مسألة موقف إسماعيل صدقي باشا من القضية الفلسطينية ، حيث يقول الدكتور محمد الجوادي :
” أصبح من المعروف في التاريخ المعاصر أن إسماعيل صدقي كان له رأي مخالف لرأي أغلبية المصريين في حرب 1948م في القضية الفلسطينية ، ولا يتسع هذا المقام للحديث المفصل عن وجهة نظر صدقي ، ولكننا سنوضح بعض ما يعطينا فكرة عن آرائه ، يقول الأستاذ محمد سيلاني كيلاني:
وتنفيذا لأمر الإنجليز قرر إسماعيل صدقي باشا أن تشترك حكومته في المعرض الصهيوني الذي أقيم في تل أبيب في مارس سنة 1933م ، مما أثار عليه سخط الشعب الفلسطيني ، وقد حملت عليه صحيفة فلسطين حملة عنيفة ، ووجهت إليه عبارات قاسية ، فردت عليها صحيفة الشعب في 13/ ٣/ 1933م ، وهي لسان حال صدقي باشا بمقال جاء فيه:
إن الحكومة على الأقل في مصر تلتزم الحيدة المطلقة في الخلافات السياسية أو الحزبية أو الاجتماعية أو الجنسية التي تقوم في البلاد المجاورة وتنأى بجانبها عن المعارك التي تنشب فيها ولا تتحيز لناحية دون أخرى “.
وهذا يعني عدم اعتراف إسماعيل صدقي بأية روابط عربية أو إسلامية مع فلسطين ، فهي من وجهة نظره مجرد دولة مجاورة ، ولا شأن له ولا لمصر بها من قريب أو بعيد ، ومهما كان اعتداء الصهاينة على أرضها أو شعبها أو مقدسات المسلمين بها “.
ونعود إلى مقال الأستاذ علي القماش الذي كتبه ردا على كاتبة الأهرام ، حيث يقول:
” فعن تاريخه فقد كانت علاقاته باليهود تحيطها الشبهات ، لذا لم يكن غريبا أن يتخذ مواقف معادية للفلسطينيين المقيمين بمصر ، وأثناء توليه وزارة الداخلية عام 1925م اعتقل الوطنيين الفلسطينيين الذين هتفوا ضد ” بلفور ” رئيس وزراء بريطانيا أثناء مروره على مصر لحضور الاحتفال بافتتاح الجامعة العبرية .
وعندما تولى رئاسة الوزارة عام 1930م أغلق جريدة ” الشورى ” الفلسطينية لصاحبها محمد على الطاهر ، في حين أبقى على جريدة ” اسرائيل ” الصهيونية ! ، وليس هذا ببعيد عن علاقة إسماعيل صدقي باليهود ، فقد كانت تربطه علاقات طيبة وعلاقات عمل بهم ، حيث شغل رئيس مجلس إدارة شركة كوم أمبو لاستصلاح الأراضي والتي كانت تملكها أسرة قطاوي باشا أبرز الأسر اليهودية فى مصر ، وحتى الأوقات التي شغل فيها صدقي موقعا رسميا كرئيس للوزارة كان يتولى رئاسة الشركة شرفيا ! ، ولعل هذا يفسر اهتمامه بإنشاء بنك التسليف للتعامل مع الفلاحين ، وكذلك اهتمامه بمشروعات الري والصرف بهذه المنطقة ، وبتعلية خزان أسوان فى الأوقات التى شغل فيها موقع رئيس الوزراء منه .
ومعروف أن إسماعيل صدقي كان رافضا لخوض حرب 48 من أجل فلسطين ، وغلف رفضه بأن مصر ليس لديها الاستعداد أو الإمكانيات .
وفى سياق علاقة صدقي باليهود تجدر الإشارة إلى العلاقات الطيبة التي كانت تربط صدقي ب ” الياهو ساسون ” في الأربعينيات ( والياهو ساسون هو والد السفير الإسرائيلي فى مصر عام 1985م ) ، وقد تم طرح سؤال فى مجلس الشيوخ يتعلق بمفاوضات بين إسماعيل صدقي ويهود فى جنيف .
وقد اعترف بهذا “الياهو ساسون” رئيس الشئون العربية بالوكالة اليهودية في رسالة إلى ” موشى شر توك ” رئيس قسم السياسة بالوكالة مؤرخة بتاريخ 16 / 9 / 1946م جاء فيها التقيت ب إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء ، وأجريت معه مقابلة استمرت خمسا وأربعين دقيقة ، وكان حديثا وديا ومريحا للغاية ، حتى أنه خيل لي بأنني جالس فى مكتبي بالوزارة مع أحد أصدقائي نتجاذب أطراف الحديث معا .. وقد بادرني رئيس الوزراء المصري بتوجيه شكره على المساعدة الكبيرة التي قدمتها له سواء في انجلترا أو الولايات المتحدة . وكان مقتنعا بانها تفي بوعدنا ، وفى مجرى الحديث أشار اسماعيل صدقي باشا بعصبية إلى الضيف الموقر الذى وجد ملجأ فى بلده بعد فراره من باريس ( أقصد مفتى القدس الحاج الحسيني ) ، وقد وصفه بأنه شخص يسعى إلى مصالحه الشخصية فقط ، ولا يكترث بدمار العالم العربي كله في سبيل تحقيق ما يريده ، لذا فقد أقترح على أن نقوم بالعمل معا على كشف مخططات مفتى القدس ودعواه في مصر والدول العربية الأخرى ، كما كان محدثي – يقصد اسماعيل صدقي – من المؤيدين بحماس لضم الضيف الموقر – يقصد مفتى القدس – للبعثة المدعوة إلى لندن ، ويأمل بهذا اصطياد عصفورين بحجر واحد ، وهو أن يبدو أمام الاّخرين بأنه صديق لمفتي القدس وفى نفس الوقت التخلص منه ، وقد استجبنا لطلبه بالعمل على الحصول على معلومات وأخبار عن نشاطه ” العنيف ” ورجاله في مصر وفلسطين والدول المجاورة الأخرى ، وفى سياق استعراض إسماعيل صدقي لزيارتي إلى لندن ، طلبت منه أن يصلني برسوله في المحادثات أو بمندوبه فى العاصمة البريطانية ، ولكنه قال : أن ما أطلبه منه غير مرغوب فيه من جانبه ، لأن رجاله لن يتفهموا الهدف من التعاون بيننا وسيفسرون هدفه ووجهات نظره تفسيرا مشوها .
وفى خطاب اّخر بعث به ” الياهو ساسون” من لندن إلى الإدارة السياسية فى القدس ، ومؤرخ بتاريخ 30 / 9 / 1946م ، أن إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر والذى حددت معه ونظمت ما تم الاتفاق عليه بيننا قدم استقالته في أعقاب فشل محادثاته مع بريطانيا ، وكل محادثاته ووعوده أصبحت بالنسبة لنا ماضيا سيسطره التاريخ فقط ، ولم يعد لها أية قيمة فعلية الآن ، ويفسر البعض في اسرائيل أن فشله مع بريطانيا جاء نتيجة أن انجلترا قد تسرب اليها أن له علاقة مع الإسرائيليين من خلال علاقاته التجارية مع رجال الأعمال اليهود فى مصر مما أثار عليه غضب الإنجليز ، حيث قرروا أن موقفه من تأييد مشروع التقسيم كان بسبب هذه العلاقات ، وكذلك الاتصالات السرية ، مما أفشل محادثاتهم معه ، وبالتالي اضطراره إلى الاستقالة” .
ثانيا: موقف إسماعيل صدقي من الديمقراطية:
اما عن مواقفه من الديمقراطية والحريات ومنها الصحافة ، فتجدر الإشارة إلى ما كتبه الكاتب والمؤرخ الأستاذ جمال بدوى فى كتابه ” في دهاليز الصحافة ” حيث قال:
” عام 1946م عهد الملك فاروق إلى إسماعيل صدقي باشا بتأليف الوزارة في مصر ، وهو رجل بغيض إلى الشعب بسبب مواقفه المعادية للديمقراطية ، ومشاركته فى تدبير الانقلابات الدستورية ، وتحقيره للحركة الشعبية ، فقد كان يعتبر الشعب قاصرا يحتاج إلى وصاية ، ويرى في نفسه الوصي القادر على أن يسوق الشعب بالعصا ، وهو أول من أبتكر تزوير الانتخابات العامة عندما كان وزيرا للداخلية في حكومة زيوار باشا عام 1924م ، وعندما تولى رئاسة الوزارة في عام 1930م ألغى دستور ١٩٢٣م ، واصطنع دستورا استبداديا يسحب السلطات من الشعب ، ويضعها في كفة الملك فؤاد ، واستخدم أبشع وسائل القمع ضد معارضيه ، ولم يتورع عن تدبير محاولة لاغتيال النحاس باشا أثناء زيارته المنصورة ،من أجل هذا قوبلت وزارة صدقي في فبراير 1946م بغضبة شعبية عارمة ، نظرا لسجله الحافل فى خنق الحريات العامة ، خاصة وقد أرتفع المد الشعبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية للمطالبة بجلاء القوات البريطانية عن مصر ، فضلا عن التهاب الصراع الطبقي بتأثير التيارات اليسارية ، وصدق حدس الشعب.
واقترن مجيء صدقي إلى الحكم بتعاظم نفوذ القصر الملكي على حساب الدستور الذى يحدد سلطات الملك ويحول دون تدخله في أعمال السلطة التنفيذية المخولة للحكومة ، واستهان الملك فاروق بالوزارة ، وأذعن صدقي لطغيان فاروق ، فلم يعترض على تعيين رجل القصر المدلل – كريم ثابت – مستشارا صحفيا بمرتب من المصروفات السرية ، وبدأت سلسلة التنازلات ، مما أدى إلى تفاقم الغليان الشعبي ، وخرجت المظاهرات تهتف لأول مرة بسقوط فاروق ، وانتشرت الاضرابات بين طوائف العمال والمعلمين والمهندسين وطلبة الجامعات والمدارس الثانوية ، فتصدى لها صدقي بالحديد والنار ، وأصدر سلسلة من القوانين المقيدة للحريات ، وبمقتضاها أغلق العديد من الصحف ، وألقى القبض على كبار الكتاب والصحفيين مثل الدكتور محمد مندور ومحمد زكى عبد القادر وسلامة موسى وغيرهم حتى غصت بهم السجون “.
تجدر الاشارة الى انه مع تنديد المنظمات الشعبية والمطالبة بقطع المفاوضات مع الاحتلال الإنجليزي ، واتفق الجميع على يوم للإضراب والحداد العام وتجديد الجهاد الوطني ، لكن” صدقي ” لم يكترث بها ، وحسب الكاتب والمؤرخ ” المستشار طارق البشري” في كتابه ”الحركة السياسية في مصر 1945 -1952 ”:
أراد صدقي أن يقتلع جذور الخطر علي هذا الاتفاق الموعود ، أن يثبت للإنجليز قبيل إبرام الاتفاق قدرته علي الهيمنة علي البلاد ، فقام في اليوم السابق علي الإضراب باعتقال نحو مائتين من الكتاب والصحفيين والأحرار وزعماء اللجنة الوطنية ونقابات العمال ، وأغلق كثيرا من دور النشر والجمعيات “.
ويضيف الأستاذ علي القماش :
ترى بعض هذا الرد وإيضاح صهيونية رئيس الوزراء المتيمة به الكاتبة ، وديكتاتوريته التي وصلت إلى اعتقال 200 صحفي ، فضلا عمن تعرضوا للقتل في حادث الكوبرى ، هل يستحق من انتقدوه من كتاب ومؤرخين وصفهم بالغوغائية وفقر الفكر ؟!
وفي كتاب ” إسماعيل باشا صدقي” يقول الدكتور محمد محمد الجوادي عن اسماعيل باشا صدقي:
” إنه مبتدع فكرة التدخل في الانتخابات العامة لصالح القصر الملكي ، وقام بتزوير عدة انتخابات عامة وإقامة ديكتاتورية تميزت بالجرأة في الاعتداء على حقوق الشعب وحفلت عهود حكمه بالصدام الدامي مع الجماهير المصرية التي كانت تولى حزب الوفد ثقتها وتأييدها .
ويضيف الجوادي: للأسف الشديد كانت سياسته باطشة بمعارضيه وبالديمقراطية ، فقد استطاع كما نعرف أن يضع دستورا جديدا بديلا عن دستور 1923م الذي شارك في وضعه من قبل ، وجعل في هذا الدستور حقوق للعرش – على سبيل المثال – أكثر من حقوقه في دستور ١٩٢٣م.
وصاغ صدقي باشا نظاما جديدا للانتخابات وحل البرلمان ، وأتى ببرلمان جديد ، وبطش بمعارضيه من الاحزاب جميعا ، وعلى رأسهم الوفد والنحاس باشا بالطبع .
وكان الأحرار الدستوريين في أول الأمر يمالئون صدقي باشا ، ولكنهم وقعوا في خصومة معه ، وعادوا للائتلاف مع حزب الوفد – وكان هذا هو الاختلاف الثاني مع الوفد بعد ائتلاف 1926م – وكان زعماء الحزبين يخرجون على رؤوس المؤتمرات الشعبية المناهضة لصدقي ، وكانت صحف هذه الأحزاب تناوئ صدقي بكل ما تستطيع ، وكان صدقي يوقف هذه الصحف فتصدر برخص أخرى فيوقفها وهكذا إلى آخر ما يعرفه قراء تاريخنا المعاصر .
ولم يكن صدقي باشا سهلا في معالجته للحوادث ، وإنما كان يستعين بكل ما أوتيت من القدرة على الحيلة والقوة على احباط خطط كل الزعماء المناوئين له والدهماء.
عزم النحاس ومحمد محمود ذات مرة على السفر إلى طنطا على رأس وفد من الزعماء لعقد مؤتمر جماهيري هناك ، وعند وصول الوفد إلى محطة القاهرة أغلقت الحكومة أبواب المحطة في وجوههم ، ولكنهم تمكنوا من دخول المحطة عنوة ، واستقلوا القطار ، وما أن حل موعد قيامه حتى تحرك تاركا عربة الزعماء بعد أن تم فصلها عن بقية عربة القطار ، ولما لم ينزلوا منها سُحبت العربة بونش إلى منطقة حلوان ! .
وحين حاول هؤلاء الزعماء عقد مؤتمر جماهيري في بني سويف فوجئوا عند وصولهم بالقطار بحصار من قوات الجيش والبوليس حالت بينهم وبين الجماهير ، واضطروا للعودة إلى القاهرة ، وفي مرة أخرى تحرك بهم القطار إلى مكان آخر غير مكان المؤتمر .
ولم تتورع أجهزة صدقي عن تفريق المظاهرات بالقوة وبخراطيم المياه ، فلما كانت تستغل خراطيم المياه في الاعتداء على الشرطة ، كانت الحكومة تقطع المياه عن هذه الخراطيم . ويقال أن استخدام الحكومة للقوه بلغ حد اطلاق الرصاص .
بل يرمي كثير من الوفديين حكومة صدقي بالتعسف الشديد في معاملة معارضيها زجا في السجون وشهرا للإفلاس إلى آخر هذه الوسائل “.
ثالثا: نهاية إسماعيل صدقي :
يقول الأستاذ وسيم عفيفي:
لم تكن نهاية إسماعيل صدقي كأحد أبرز رؤساء مصر الملكية على ما يتوقعه ، فهو من الذين عملوا على توطيد سلطة الملك فؤاد وتحكمه في أحداث الشارع المصري خلال وزارته الأولى.
نجح اسماعيل صدقي في التخطيط للمؤامرات التي توقع بخصوم القصر ، وضيق على الجميع وبقي يقظا ضد الجميع ، المهم راحة مولانا .
جاءت نهاية إسماعيل صدقي صحيا حينما أصيب في مارس سنه 1933م بالشلل ، وسافر إلى أوروبا في رحلة علاج ، وأثناء تلك الرحلة بدأ انقلاب القصر عليه ، حيث أذيعت شبهات حول تربح مادي حققه إسماعيل صدقي من إنشاء كورنيش الإسكندرية ، وتقول الشائعة التي سردها محمد فرغلي أن المقاول الإيطالي الذي قام ببناء الكورنيش ويدعي ” دانتمارو” قد قام ببناء فيلا خاصة لرئيس الوزراء ، واستفاد أيضا بعض أعضاء الوزارة ، في نفس الوقت كان القصر يستغل وجود رئيس الوزراء في الخارج لكي يحقق بعض المصالح عن طريق التدخل في شئون الحكومة .
ونقول : وبأمر إلهي انتهت محنة الشعب المصري مع أحد فراعنة مصر في العصر الحديث – إسماعيل باشا صدقي – ، وانكشفت الغمة وعادت الحياة إلي طبيعتها ، وبعد فترة قصيرة من هذه الأحداث ، وتحديدا بتاريخ ٨/ ١٠ / ١٩٥١م ألغي مصطفى النحاس معاهدة ١٩٣٦م فاشتعلت البلاد ، وتزايدت العمليات الفدائية ضد الإنجليز حتى أوشكوا على الخروج من مصر ، وبعد ذلك بأشهر قليلة قامت ثورة يوليو ١٩٥٢م لتكون هي الخطوة الأخيرة والمتممة لنضال الشعب المصري الذي بدأ بالزعيم خالد الذكر مصطفى كامل ومن جاءوا بعده مثل محمد فريد وسعد زغلول ومصطفى النحاس وغيرهم كثير ممن يُنكر حقهم الآن ، ولا يذكرهم أحد بما قاموا به من نضال من أجل مصر وحريتها واستقلالها ورفاهيتها واستقرارها.
محمد العمدة المحامي
سياسي ونائب برلماني مصري
عضو برلمان الثورة 2012
@@@@@@@@@@@@@@@@@
مقالات الرأي تعبر عن آراء أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية