اسرائيل تتهم (العفو الدولية) بـ (معاداة السامية) ردا على اتهامها بالعنصرية ضد الفلسطينيين
قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي انترناشيونال)، اليوم الثلاثاء، في تقرير جديد إنه ينبغي مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، واتهمت إسرائيل بأنها دولة “فصل عنصري”، وطالبت المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في تلك الجريمة في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورصد التقرير بالتفصيل كيف أن تل أبيب تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني في كل مكان تتمكن اسرائيل من السيطرة عليه عسكريا وبالتالي تتحكم في حقوق الناس فى تلك المناطق بما يشمل الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى، بحسب المنظمة.
واعتمد التقرير في تعليله إلى ما اعتبرها سياسة “احتلالها ( أي إسرائيل) المتواصل للأراضي الفلسطينية وممارساتها القائمة على التمييز ضدهم”.
من جهتها، استبقت اسرائيل نشر تقرير منظمة العفو الدولية برفض وزارة خارجيتها الإثنين للتقرير باعتبار أنه “ينكر عمليا وبشكل مطلق حق (إسرائيل) في الوجود”، وأصدر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد بياناً قال فيه إن “منظمة العفو كانت يوما ما منظمة موقرة نحترمها جميعا، لكنها اليوم عكس ذلك تماما”.
وزهك ليبيد انه “بدلا من البحث عن الحقائق، تستشهد منظمة العفو بأكاذيب تنشرها منظمات إرهابية”، موضحا أن دولة “اسرائيل ليست كاملة لكنها ديموقراطية ملتزمة بالقانون الدولي ومنفتحة على التدقيق”. كما اتهم لبيد منظمة العفو الدولية بمعاداة السامية، قائلا “أكره استخدام الحجة بأنه لو لم تكن إسرائيل دولة يهودية، فلن يتجرأ أحد في منظمة العفو الدولية على التحدث ضدها، لكن في هذه الحالة لا يوجد احتمال آخر”.
من جهتها، قالت السيدة أنييس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية “أمنستي” في تصريحات لوكالة فرانس برس “كنا نودّ إجراء محادثة مع وزير الشؤون الخارجية الاسرائيلي عندما اتصلنا به أولا وعرضنا عليه التحدث معنا حول هذا التقرير قبل صدوره، وكان هذا في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2021 الماضي غير انه لم يستجب لعرضنا في ذلك الحين، وقد بات الوقت متأخرا جدا الآن لدعوتنا لعدم نشر التقرير”.
وردت كالامار بأن “انتقاد ممارسات دولة إسرائيل لا يعد على الإطلاق شكلا من أشكال معاداة السامية”، مؤكدة ان “منظمة العفو الدولية تقف بقوة ضد معاداة السامية وضد أي شكل من أشكال العنصرية، وقد نددنا باستمرار بالأفعال المعادية للسامية”.
وجاء ذلك في إطار مؤتمر صحفي عقدته كالامار في مدينة القدس الشرقية للإعلان عن تقرير أعدته بشأن مساءلة إسرائيل على ارتكاب جريمة “الفصل العنصري” ضد الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى.
وبين التقرير “بالتفصيل” كيف أن إسرائيل “تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما تملك السيطرة على حقوقه”.
وهذه هي المرة الأولى التي تقول فيها منظمة العفو الدولية إن إسرائيل “تمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في أماكن وجودهم”. وجاء التقرير في 182 صفحة تحت عنوان “نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام قاس يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية”.
وقالت كالامار -في المؤتمر الصحفي- “يوثق التقرير كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أجزاء من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري، بموجب القانون الدولي”.
وأضافت أنه “يتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات، التي تَبَيّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلا عنصريا وجريمة ضد الإنسانية، كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري)”.
ودعا تقرير منظمة العفو الدولية المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما ناشد جميع الدول بممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة.
وقالت كالامار -في المؤتمر- إن تقريرنا يكشف عن النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل، وسواء كان الفلسطينيون يعيشون في (قطاع) غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل (جنوبي الضفة الغربية)، أو إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون على أنهم جماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج.
وأضافت “تبين لنا أن سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حد الفصل العنصري. ومن واجب المجتمع الدولي التصرف”.
وتابعت “ما من مبرر ممكن لنظام بُني على القمع العنصري المُمَأسس والمطوّل لملايين الناس. ولا مكان للفصل العنصري في عالمنا، والدول التي تقرر أن تقبل تجاوزات إسرائيل ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ”.
وشدد على أن الحكومات التي تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة وتحميها من المساءلة في الأمم المتحدة، هي في الواقع تساند نظام فصل عنصريا، وتقوّض النظام القانوني الدولي، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني.
ودعت أمنستي المجتمع الدولي إلى مواجهة واقع الفصل العنصري في إسرائيل، وأن يتبع السُبل العديدة المؤدية إلى العدالة، التي من المعيب أنها لم تُستكشف بعد. وفي تعريفها نظام الفصل العنصري، أشارت المنظمة الدولية -في التقرير- إلى أنه “منظومة مُمأسسة للقمع والهيمنة تمارسها جماعة عرقية ضد أخرى”.
وتابع التقرير “يظهر البحث الواسع والتحليل القانوني اللذان أجرتهما منظمة العفو الدولية بالتشاور مع خبراء من خارجها أن إسرائيل تُطبّق هذا النظام (الفصل العنصري) ضد الفلسطينيين من خلال قوانين وسياسات وممارسات تضمن إدامة معاملتها العنصرية القاسية لهم”.
وأشارت إلى أن السلطات الإسرائيلية طبقت تدابير متعددة لحرمان الفلسطينيين عمدا من حقوقهم وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك قيود قاسية على حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستثمار الضئيل المزمن القائم على التمييز في المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل، وحرمان اللاجئين من حق العودة.
كما يوثّق التقرير النقل القسري، والاعتقال الإداري (بدون محاكمة)، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. ووجدت منظمة العفو الدولية أن “هذه الأفعال تُشكّل جزءا من هجوم ممنهج وواسع النطاق موجه ضد الشعب الفلسطيني، وتُرتكب بنيّة إدامة نظام القمع والهيمنة؛ لذا، فهي تشكل جريمة الفصل العنصري المرتكبة ضد الإنسانية”.
ووجد التقرير أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اعتبرت الفلسطينيين تهديدا ديموغرافيا، وفرضت تدابير للسيطرة على وجودهم ووصولهم إلى الأراضي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وأضاف “تتضح هذه الأهداف الديموغرافية جيدا من الخطط الرسمية لـ’تهويد‘ مناطق في إسرائيل والضفة الغربية، ومن ضمنها القدس الشرقية، وهو ما يظل يُعرّض آلاف الفلسطينيين لخطر النقل القسري”.
ولفتت أمنستي إلى أن “إسرائيل منذ عام 1948 انتهجت سياسة تكوين أغلبية ديموغرافية يهودية ثم الحفاظ عليها، وتعظيم سيطرتها على الأراضي والموارد لمنفعة الإسرائيليين اليهود”. وأضافت منظمة العفو الدولية أن السلطات الإسرائيلية تعامل الفلسطينيين كجماعة عِرقية دونية يُحددها وضعهم العربي غير اليهودي.
وقدّمت منظمة العفو الدولية توصيات لكيفية تفكيك السلطات الإسرائيلية لنظام الفصل العنصري، وكذلك أركان التمييز، والشرذمة، والقمع الذي تديمه. فقد دعت إلى وضع حد للممارسات الوحشية المتمثلة في هدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري كخطوة أولى.
وقالت “ينبغي على إسرائيل منح جميع الفلسطينيين المقيمين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة حقوقا متساوية، بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”. وأضافت أنه ينبغي عليها الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين والمنحدرين عنهم بالعودة إلى ديارهم التي كانت في ما مضى تعيش فيها عائلاتهم، وتقديم تعويضات كاملة إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية.
وقالت أنييس كالامار “لا يجوز بعد الآن أن يقتصر الردّ الدولي على الفصل العنصري على الإدانات العقيمة والمراوغة؛ فإذا لم نعالج الأسباب الجذرية، سيظل الفلسطينيون والإسرائيليون أسرى دوامة العنف التي دمرت حياة عدد كبير جدا من الناس”.
المصدر : الشادوف + الوكالات