اسرائيل تتململ من انتصار طالبان فى أفغانستان.. وتنتقد واشنطن ضمنيا
حذر باحثون إسرائيليون من أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يعد بمثابة مؤشر على اعتزام القوات الأميركية الانسحاب بشكل كامل من العراق مما يضع إسرائيل، حسب قولهم، في مواجهة مباشرة مع إيران. جاء ذلك فيما زعم رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، دعا إسرائيل لتبني نموذج في الأراضي الفلسطينية يشابه ما صنعته الولايات المتحدة في أفغانستان، وأنه رفض اقتراح كيري.
وكتب نتنياهو على صفحته في “فيسبوك”، أنه “في العام 2013، دعاني وزير الخارجية الأميركي حينها، جون كيري لإجراء زيارة سرية لأفغانستان كي أشاهد كيف اقامت الولايات المتحدة قوة عسكرية محلية بمقدورها أن تقف وحدها ضد الإرهاب، مؤكدا أن الرسالة كانت واضحة ومفادها أن ( نموذج افغانستان) هو النموذج الذي تطلب الولايات المتحدة تطبيقه في الموضوع الفلسطيني”.
وقال نتنياهو : “رفضت الاقتراح بأدب، ورفضت مجرد الفكرة، وكنت أقدر حينذاك أنه بمجرد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، سينهار كل شيء. وهذا ما حصل للأسف هذه الأيام : نظام إسلامي متطرف احتل أفغانستان وسيحولها لدولة إرهابية تشكل خطراََ على سلامة العالم. وسنحصل على نتيجة مشابهة إذا سلّمنا مناطق من الوطن للفلسطينيين، لا قدر الله”.
وأضاف: “الفلسطينيون لن يشيدوا دولة على غرار سنغافورة، بل سيقومون بإنشاء دولة إرهابية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، على مرمى حجر أو مسافة قصيرة من مطار بن غوريون، ومن تل أبيب، ومن كفار سابا وناتانيا”.
وبخصوص إيران، قال نتنياهو: “طالبني أصدقائنا بالحفاظ على الهدوء. وبألا نعمل أو نقاتل. لكنني لم أوافق على ذلك أيضا. وانتهجنا سياسة متشددة في الحقل العملياتي وكذلك في الحقل السياسي والإعلامي. ووقفت ضد العالم كله، ومن بينهم كثيرين في إسرائيل، وألقيت خطابا في الكونغرس ضد هذا الاتفاق (النووي) الخطير”.
سياسات داخلية
واستغل نتنياهو المناسبة ليشن هجوما لاذعا على حكومة التغيير التي يقودها نفتالي بينيت، وقال إن وزير الخارجية يائير ليبيد ورئيس الحكومة البديل نفتالي بينيت هاجما خطوتي هذه في الكنيست.. والاستنتاج واضح: العقيدة الصحيحة هي تلك التي اتبعتها وهي أنه يحظر علينا الاعتماد على آخرين كي يحافظوا على أمننا، وعلينا أن ندافع عن أنفسنا بقوانا الذاتية أمام أي تهديد”.
وأضاف : ومن سوء الطالع والكارثة أن تتصرف اليوم حكومة ( لبيد – عباس – بينيت) على العكس تماما، وهذه طريق تشكل خطراََ على أمننا وعلى مجرد وجودنا”، متسائلا: ” إلى متى ستصمت وسائل الإعلام إزاء هذه الفوضى التي تتعاظم يوميا؟”.
وعلى الرغم من البعد الجغرافي بين أفغانستان وإسرائيل، فإن مراكز الأبحاث الإستراتيجية جنحت للتهويل من الهواجس والمخاطر التي يمكن أن تشكلها حركة طالبان على تل أبيب، وثمة من ذهب من المحللين للطرح الذي تروج له بعض الأوساط السياسية الإسرائيلية بأن الرئيس الأميركي جو بايدن يعتمد نهجا يشير لتخلي واشنطن عن الشرق الأوسط، وهو ما سيعزز النفوذ الإيراني في المنطقة، على حد تقديرها.
وفي تقدير موقف تساءل الباحث في “معهد القدس للدراسات الإستراتيجية” الجنرال المتقاعد في الجيش الإسرائيلي يعقوب عميدرور، قائلا “ماذا بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟”، مشيرا إلى أن هذه السؤال المتداول على أجندة المؤسسة الإسرائيلية يحمل في طياته الكثير من المعاني والدلالات.
وعلى الرغم من أن أفغانستان بعيدة جغرافيا عن إسرائيل وأن طالبان لم تكن من ضمن “أعداء إسرائيل” في ساحات الحروب، لكن الباحث يقول إن “هذا مؤشر بأن القوات الأميركية قد تنسحب من العراق وهذا يضع إسرائيل في مقدمة المواجهة مع إيران”.
ويعتقد عميدرور -الذي شغل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو- أن هذا السؤال وما يحويه من مخاوف لا يقتصر على إسرائيل، والسؤال هو كيف سيؤثر القرار الأميركي بتقليص التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط والنتيجة الوخيمة في أفغانستان على النظام الدولي والإقليمي الذي تعمل وتنشط فيه، لذلك، يقول “هناك 3 دوائر يجب لفت الانتباه إليها؛ “الدائرة العالمية ودائرة الشرق الأوسط ووجهة نظر إسرائيل”.
احتدام الصراعات
وأوضح الباحث الإسرائيلي أن “انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان يعكس إخفاق واشنطن بتأسيس دولة علمانية وديمقراطية في كابل وانهيار نفوذ المؤسسات الأمنية والعسكرية التي أسستها على مدار 20 عاما، الأمر الذي سينعكس سلبا على مكانة أميركا عالميا في مواجهة الدول العظمى وتحديدا الصين وروسيا، وبالمقابل، هو مؤشر لتعزيز نفوذ التيارات والحركات الإسلامية في الشرق الأوسط التي تم محاربتها بعد ما يسمى الربيع العربي”.
ويعتقد أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان سينعكس سلبا على كافة منطقة الشرق الأوسط وحلفاء واشنطن في المنطقة التي ستشهد احتداما للصراعات الداخلية للدول والأنظمة، وكذلك سيشهد تصاعدا للتوترات الإقليمية وإفرازات للمشروع النووي الإيراني مع تعزيز نفوذ طهران الإقليمي، على حساب تراجع مكانة حلفاء واشنطن الذين سيواجهون متغيرات أمنية وعسكرية تهدد الاستقرار والوجود لبعض الأنظمة.
ومن وجهة النظر الإسرائيلية يعتقد عميدرور أن “الانسحاب الأميركي من أفغانستان وانهيار سياسات واشنطن وتفكك الالتزام والتدخل الأميركي الإقليمي يمثل إشكالية ومعضلة، لأن إسرائيل ستُترك وحدها لتحمل عبء التعامل مع الدول التي تهددها وتهدد المنطقة بأسرها، ولكن هذه فرصة حقيقية أيضا لتقود إسرائيل حلفا إقليميا لمواجهة إيران وللدفاع عن نفسها وعن الدول العربية المعتدلة”.
ذات الموقف يتبناه يوآف ليمور المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم” (Israel Hayom)، والذي يقدر أن عودة حكم طالبان سيسهم في عودة ونشاط تنظيم “القاعدة” و”داعش” ومنظمات ومليشيات مشابهة أخرى، قائلا “هذه العبر سيستخلصها العالم كله، وتداعياته ستكون في الشرق الأوسط، وخاصة في العراق، حيث تخطط إدارة جو بايدن الانسحاب منها”.
وأوضح المحلل العسكري أن الرسالة التي تنقل من مشاهد الأحداث في أفغانستان لمنطقة الشرق الأوسط أن “أميركا حليف النظام بكابل هربت من أفغانستان ولم تنسحب كما تروج، ما يعني لإسرائيل على وجه الخصوص أنه لا يمكن الاعتماد بعد الآن على واشنطن”.
أمن إسرائيل
وليس من المستبعد أن تكون لذلك تداعيات فورية وسلبية على أمن إسرائيل، وفقا لوجهة نظر المحلل العسكري الذي يعتقد أن ذلك “سيعزز جرأة المليشيات المسلحة التي تعمل بدعم إيراني من مهاجمة أهداف إسرائيلية، وهو ما يلزم إسرائيل لجهوزية عليا بالدفاع وعدم الرهان على التسويات والاتفاقيات لضمان الأمن والاستقرار سواء مع غزة أو حزب الله أو النووي الإيراني”.
وفي ظل هذه المعادلة والتطورات لا يستبعد ليمور أن تستغل إيران الظروف وتوظف المليشيات في العراق لشن هجمات على القوات الأميركية، وبالتالي ممارسة الضغوطات على إدارة بايدن لحسم القرار والانسحاب سريعا من العراق، ما يعني أن إيران ورغم هواجس من موجة اللاجئين من أفغانستان إلا أنها ستكون رابحة وفقا لنظرية أن “الدولة العظمى الأقوى بإمكانها أن تنسحب وتهرب”.
ويعتقد المحلل العسكري الإسرائيلي أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض أظهرت أنها لا تسارع في استعمال القوة واختيار المسار العسكري خلفا للإدارات السابقة، كما أن نهج بادين يوحي أن إداراته لا تولي الاهتمام لما يحدث بالشرق الأوسط، ولديها أولويات وأجندة مغايرة عما كان لواشنطن بالسابق.
من جهته، يرى أودي ديكل -مدير “مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” التابع لجامعة تل أبيب- أن التفكك السريع لقوات الأمن الأفغانية والاستيلاء المفاجئ لحركة طالبان على العاصمة كابل يعكس عيبا أساسيا وثغرات في جهود الولايات المتحدة والتحالف في بناء جيش وطني لدولة غير موجودة على ما يبدو.
ويعتقد أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة طالبان للمشهد السياسي وللحكم “يتطلب من إسرائيل أن تراقب بيقظة استقرار وصلاحية الأنظمة في الشرق الأوسط، وما يحدث لدى دول الطوق والنفوذ الإيراني، وخاصة بسوريا ولبنان واليمين والعراق، ما يلزم إسرائيل الاعتماد على ذاتها أكثر في مواجهة كافة التحديات الإقليمية”.
وأوضح ديكل أن إخفاق الولايات المتحدة خلال عقدين من التورط والحرب في أفغانستان يستلزم إعادة تقييم من جديد لحدود القوة العسكرية، وفي الوقت نفسه، يقول مدير مركز أبحاث الأمن القومي “يطرح السؤال مرة أخرى بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وبضمنها إسرائيل، هل يمكن الاعتماد على واشنطن في حالة وجود تهديد وجودي؟”.
المصدر: الشادوف+صحف اسرائيلية