أحمد طنطاوي: لن نشاركهم في (حوار وطني) بلا ضمانات..ولن نجاملهم على حساب الوطن !
اتهمت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر النظام العسكري المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي بالتراجع عن اتفاق تم إبرامه مع الحركة بالاتفاق علي تعيين العالم الطبيب الدكتور محمد غنيم منسقاََ عاماََ للحوار الوطني بعد الاعلان يوم الأربعاء الماضي عن تعيين ضياء رشوان نقيب الصحافيين المصريين محله، بينما تم تعيين المستشار محمود فوزي الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام رئيساً للأمانة الفنية ( الأمين العام ) للحوار الوطني.
جاء هذا الاعلان عبر استضافة موقع (المنصة) بمقره في القاهرة للبرلماني السابق أحمد الطنطاوي، رئيس حزب الكرامة والذي يعد أحد أبرز قيادات الحركة المدنية الديمقراطية التي تمثل التيار الرئيسي للمعارضة داخل مصر.
الحوار استمر نحو ساعتين، وكانت إجابات البرلماني السابق خلاله واضحة، وغير رمادية، حتى عندما توغلت الأسئلة في مساحات شائكة، حسبما وصفها موقع ( المنصة).
وينشر موقع الشادوف نص الحوار الذي نشر في المنصة اليوم السبت وأجراه الزميلان عمرو بدر وشاهر عياد وتصوير الزميلة إيناس مرزوق، وجاء الحوار المنشور كالتالي:
بدأنا الحوار بسؤال الساعة، عن آخر تطورات الحوار الوطني الذي مهّدت له السلطة بموجة إفراجات شملت عشرات ممن قضوا في السجون أشهرًا طويلةً. كشف الطنطاوي أن أحزاب الكتلة المدنية الديمقراطية حصلت على موافقة شفهية من ممثلي السلطة على اختيار اسم العالِم الدكتور محمد غنيم ليكون أمينًا عامًا للحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، على أن تُشكل أمانة عامة من عشرة أسماء تختار السلطة نصفها والمعارضة النصف الآخر.
ولكن بعد لقائنا الطنطاوي بيومٍ واحدٍ أعلنت إدارة الحوار الوطني، الأربعاء الماضي، اختيار ضياء رشوان، نقيب الصحفيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، منسقًا عامًا للحوار، على رأس مجلس أمناء من 15 عضوًا.
وتحفظ الطنطاوي في البداية أثناء تسجيل الحوار على ذكر اسم الدكتور غنيم لأنه لم يكن قد أعلن عنه بشكل رسمي رغم الاتفاق عليه بين الطرفين شفهيًا، قبل أن يفصح عنه لاحقًا، في معرض تعليقه للمنصة عن البيان الذي صدر عن إدارة الحوار الوطني، ورأى فيه البرلماني السابق “تراجعًا عن الاتفاقات التي توصل إليها مَن تفاوضَ باسم الحركة المدنية مع السلطة طوال الشهر الماضي”.
ونوّه إلى أن اجتماع الحركة المدنية الذي عقد أول أمس الخميس في مقر حزب المحافظين، تضمن موقفين رئيسيين؛ الأول هو رفض البيان الصادر عن إدارة الحوار الوطني، والثاني هو تجديد الالتزام القاطع (بالإجماع) بما سبق أن وقعوا عليه في بيان 8 مايو مع التأكيد على أن ذلك يمثل “التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا لن نستطيع المشاركة في الحوار دون تحقيق ما ورد فيه”.
وأكد الطنطاوي أن “المشاركة في الحوار مرتبطة باستيفاء الضوابط الإجرائية والموضوعية الواردة في بيان 8 مايو”، منوهًا إلى أن المشكلة ليست في اختيار رشوان منسقًا عامًا “فنحن وافقنا على اسمه ولكن ضمن اتفاق شفهي أوسع على الإطار العام والأسماء وفي مقدمتها الاسم الأهم في الأمانة كأمين عام وهو الدكتور محمد غنيم”.
حوار جاد.. وإلا فلا
يشكل حزب الكرامة الذي يترأسه الطنطاوي أحد القوى المشاركة في الحركة المدنية الديمقراطية، التي أصدرت بيان 8 مايو/ آيار الماضي يضع ما يمكن تسميته بـ ( الضوابط السياسية والإجرائية ) ليصبح الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية “جادًا ومنتجًا”.
حدد البيان وقتها “سبعة ضوابط” موجهة إلى السلطة، يقول عنها الطنطاوي “أريد أن أكون دقيقًا في وصف ما قدمناه، لأن البعض يتعامل معها باعتبارها شروطًا، والبعض الآخر يعدها مطالب، لكنها في الحقيقة مجموعة من المحددات التي تمثل ضرورة إجرائية وموضوعية، وتعتبر الحد الأدنى الذي يمكن معه أن نسمي ما نحن مدعوون إليه حوارًا”.
يتمسك الطنطاوي، الذي قال إنه بحث في تجارب دول أخرى تشبهنا، بالتفرقة بين مفهوم الحوار الجاد وبين مفهومي “الاجتماع” و”المقابلات”. يقول “راجعت تجارب الدول التي دخلت في هذا النوع من الحوار، ووجدت أن هناك حدًا أدنى يجب أن يتوفر، تبنيناه في الكرامة وعرضناه على شركائنا في الحركة المدنية الديمقراطية فاستجابوا له، ووقعوا على البيان في 8 مايو، ثم انضم إلينا آخرون من أحزاب وشخصيات عامة، ونحن نتعامل مع ما قدمناه في البيان باعتبارها محددات للسلطة وشروط علينا نحن أولًا”.
ويكمل موضحًا “من وقّع على البيان ألزم نفسه سياسيًا وأخلاقيًا وأدبيًا بأن يحترم توقيعه، لا سيما أننا تشاورنا ووصلنا لصياغات مشتركة وتركنا مساحة للجميع للتشاور مع أحزابهم، فغير متوقع ولا مقبول لمن وقعوا على البيان عدم الالتزام بما جاء فيه، وفي الوقت نفسه غير متوقع من السلطة أن تتعامل مع البيان باعتبارها طلبات تنظر فيها كما تشاء وتستجيب أو ترفض ما تشاء”.
يعتبر الطنطاوي أن ذلك الحوار اختبار جاد، ليس للسلطة ونواياها فقط وإنما للمعارضة أيضًا، فالأمر في تقديره يتعلق بمستقبل البلد وشعبها “إذا أردنا تلخيص الموقف الآن فالسلطة والمعارضة على السواء أمام اختبار، ونحن اتخذنا الخطوة الأولى وأكدنا أننا سوف نتجنب الآن ما يمكن أن يدفعنا للتفكير في عدم الجلوس مع السلطة من أجل المستقبل”.
ويضيف البرلماني السابق “نحن لم نكن جزءًا من المشكلة لكننا نريد أن نكون جزءًا من الحل. نحن لم نصنع مشكلة الوطن، لكن قبلنا الحوار من حيث المبدأ حبًا في شعبنا ولضمان مستقبل البلد، ولا نفعل ذلك من أجل السلطة الحاكمة، لا تقربًا منها ولا سعيًا لوصال أو انتظار لأي شيء. فمن ناحيتنا غير مقبول أن نكون شركاء لهذه السلطة على أي نحو”.
ولكن على العكس من الطنطاوي، أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبات عدة أن يناير كانت نقطة بداية الأزمة، ونقطة نهاية الدولة، وسبب رئيسي في المشكلة. وجاءت آخر تلك الإشارات في حفل إفطار الأسرة المصرية، على مسمع ممثلي المجتمع وضمنهم قادة المعارضة. قضى الرئيس الساعة التي سبقت إطلاق الدعوة الرئاسية للحوار، متحدثًا عن الإرهاب الذي فتحت الثورة أبوابه، والمليارات التي أنفقها الجيش لمواجهته.
غير أن الطنطاوي يرد بأن الرئيس عندما قدم نفسه مرشحًا في انتخابات عام 2014 بوعود تحسن الأوضاع في غضون سنتين، كان يعرف الموقف على الأرض “السيد الرئيس كان مفترضًا بحكم الدستور وبحكم وعوده التي قطعها على نفسه في مناسبات عديدة مرشحًا ورئيسًا، أن تنتهي مدته الرئاسية بعد فترتين، وهو أيضًا الذي قال إن الناس ستبدأ في جني الثمار خلال سنتين، وإن مشروعه سيكتمل في 8 سنوات، هل حدثت أي مستجدات بعد وصوله للسلطة، أم أن الوضع الذي نتحدث عنه كان موجود أصلًا؟ يعني هل 25 يناير حدثت بعد انتخاب الرئيس؟ أم أنه وصل للسلطة بعد 25 يناير؟ الأمر ليس البحث عن ذرائع ومبررات لأن هذا سهل جدًا، والحقيقة أن هذه الطريقة لم تعد مقنعة للناس أصلًا، فالناس لديها القدرة على الفرز والفهم حتى لو قرروا أن يمرروا أمورًا كثيرة بمزاجهم”.
وأعاد الطنطاوي التأكيد على رؤيته بأن الجيش ملك لكل المصريين ولا يصح أن يكون طرفًا في تجاذبات السياسة “وميصحش ولا حد يحتك به ولا حد يتدارى وراه”.
ويتابع “الأكيد أن المصريين لم يكونوا طلاب ثورة ولا مشتاقين إليها ولكنهم أجبروا على هذا الخيار عندما أغلقت في وجوههم أبواب التغيير السلمي الديمقراطي، وأملي أن تتعلم السلطة الحالية من الدرس، حتى لا ترتكب نفس الأخطاء وتنتظر نتائج مختلفة، فمن يحب البلد وهو في السلطة الآن عليه تأمين لشعبها طريقًا للتداول السلمي للسلطة، عن طريق صناديق الانتخابات”.
الحركة المدنية الديمقراطية التي يمثل الطنطاوي وحزب الكرامة أحد رموزها السياسية، هي الأكثر تعبيرًا في اللحظة الحالية عما يسمى بقوى المعارضة المدنية. ورغم ما بداخلها من تباينات، ورغم تنوع الخلفيات السياسية الأيديولوجية لمكوناتها ما بين تيارات يسارية وليبرالية وناصرية، فإنها تحاول أن تتبنى وجهة نظر واضحة وموحدة من الحوار المنتظر. لكن إلى أي مدى تجاوب النظام مع “محددات” الحوار التي وردت في بيان الحركة؟
يجيب الطنطاوي “هم قبلوا بتشكيل الأمانة الفنية مناصفة بين السلطة والمعارضة، 5 شخصيات تختارها السلطة و5 آخرون تختارهم المعارضة، وعلى رأس هذه الأمانة أمين عام هو الدكتور محمد غنيم، لما يحوزه شخصه من تقدير واحترام بالغ من القوى الوطنية وجموع الشعب المصري، وقد حصلنا على موافقة شفهية من السلطة على اسم الدكتور محمد ليكون الأمين العام للحوار، وهذه الموافقة رحبنا بها، فالحوار الجاد عملية تلزمها تفاوض سابق وإجراءات مهمة، ومن الممكن أن تتعثر في أي وقت، ومن الممكن أن تفشل أيضًا”.
خطوات متعددة للتشكيك في الحوار
اختيار رشوان منسقًا عامًا للحوار الوطني ليست الخطوة الوحيدة التي تشكك في جدية ذلك الحوار من جانب السلطة، فدعوة رئيس الجمهورية التي تحدثت بوضوح عن حوار سياسي بين القوى الحزبية والشبابية خرجت من الأكاديمية الوطنية للتدريب، المسؤولة عن تنظيمه، بصورة بدت وكأنه توسع ليشمل المجتمع بأكمله. فتحت الأكاديمية الباب أمام أي من يرغب في المشاركة للتسجيل لحضوره، وهو أمر يوحي بأن ذلك الحوار يفتقد إلى الانضباط اللازم ويحمل ضبابية كبيرة في قدرة المتابعين على تحديد أطرافه.
يقول الطنطاوي “ما وصل إلينا من السلطة قبل إفطار رمضان هو أننا سنعلن عن حوار سياسي، ونريد أن تكون الأحزاب حاضرة فيما هو قادم، ورئيس الجمهورية خلال حفل الإفطار قال إنه حوار سياسي، ثم الإجراءات التي تم اتخاذها بعد ذلك قالت عكس هذا الكلام، وظهرت وكأنه حوار مجتمعي عام ومفتوح”.
لا يرفض الطنطاوي الحوار المجتمعي من حيث المبدأ، ولكنه يراه بصورة مختلفة عن القائم “الحقيقة نحن لسنا ضد أن يكون هناك حوار مجتمعي، فالحوار ظاهرة صحية، وهناك أطر دستورية تنظم ذلك الأمر، فمثلًا عند وجود تشريع هام في البرلمان ويحتاج البرلمان لقياس الأثر التشريعي والاجتماعي لما ينتجه، وقتها يتم تنظيم جلسات استماع ويتم دعوة أصحاب المصلحة والأطراف المعنية بالموضوع. لكن بالتأكيد هذا لا يغني عن حوار سياسي منضبط ومعروف حدوده وأطرافه”.
دعوات الحوار السياسي في مصر تكررت كثيرا طوال الأربعين سنة الأخيرة. استعمل الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك فكرة الحوار السياسي للوصول إلى درجة من درجات التوافق المجتمعي أو الهروب من أزمات واحتقان داخلي مثَّل تهديدا لاستقرار الوطن والنظام ذاته. ومع ذلك فإن معظم هذه الحوارات لم تكن جادة بما يكفي، وانتهت إلى لا شيء ولم تضف جديدًا للمجتمع أو الحياة السياسية التي ظلت محاصرة حتى ثورة يناير عام 2011.
لذلك فإن ضمانات جدية الحوار وإمكانية أن ينتج عنه تغييرا حقيقيا تشغل الطنطاوي وتسيطر على حساباته “يهمني أن نطلع الناس على تصورنا لشكل الحوار، وما طرحناه باختصار هو تشكيل أمانة عامة بالشكل المتساوي الذي تحدثنا عنه الآن، وتكون هي المسؤولة عن استقبال الأفكار والدراسات من كل ذي شأن في البلد: مراكز أبحاث أو عالم متخصص أو جامعة أو أحزاب أو شخصيات عامة أو السلطة نفسها”.
ويضيف “تستعين الأمانة بسكرتارية تنفيذية من الأكاديمية الوطنية للتدريب، أو غيرها، في الأمور التنفيذية، الجمع وترتيب الأماكن، ويتم وضع جدول أعمال بعدما نتوافق على المحاور، وهذه المحاور تتراوح بين 3 إلى 6 محاور، لأن البعض يطالب بدمج عدد من المحاور مع أخرى. ثم يتم توجيه الدعوات للحضور، واقترحنا تمثيل 15 اسمًا من كل من السلطة والمعارضة في كل جلسة، وفي كل جلسة يجب حضور الحكومة والبرلمان بصفة مراقب، لأن أي نتيجة نصل إليها ستكون في صورة منتج تشريعي أو قرار تنفيذي.
شكل الحوار
على سبيل المثال لو وصلنا لاتفاق على قانون للعدالة الانتقالية، أو قانون للعفو العام، يعالج الإجراءات الاستثنائية التي حدثت في مصر منذ 2011 حتى الآن، التي بسببها السجون ممتلئة بالمظاليم، أو مثلًا أردنا تعديل قانون الإجراءات الجنائية، أو نصوص الحبس الاحتياطي أو قانون مباشرة الحقوق السياسية، أو قانون النقابات المهنية، أو قانون العمل، ففي النهاية سنصل إلى توصية صادرة عن الحوار. وإذا كانت توصية ذات طبيعة تشريعية سيكون هناك حضور لرؤساء الهيئات البرلمانية، بصفة مراقب، وإذا لم يسجلوا اعتراضهم على المنتج الذي وصلنا إليه فإن الالتزام السياسي والأدبي، يجبرهم أن المنتج النهائي حينما يصل إلى البرلمان لا يجب أن يتعرض للرفض”.
ويستكمل تصوره عن شكل الحوار، قائلًا “أما حضور الحكومة فسيكون مهمًا إذا كانت القرارات ذات طبيعة تنفيذية، مثل قرارات خاصة بالأجور مثلا وغيرها”، وعن مشاركة القوى المجتمعية كالنقابات والمراكز والجمعيات وغيرها، يضيف “هؤلاء موجودون في جلسات الاستماع، ولكن حتى يكون هناك انضباط فهناك ضرورة للجلوس بأعداد متساوية. والطرف الآخر اقترح استحداث أمانة فنية خاصة بالصياغات، ومراجعة مدى التزام القرارات والتوصيات بالدستور، وهذا نهج جيد ولكنها مناسبة جيدة للتذكير بأن الدستور يكتب ليحترم، ويطبق بشكل أمين وكامل، فالدستور مليء بضمانات وحقوق بعضها لم يفعل، والبعض الآخر تمارس السلطة عكسه”.
برنامج الحوار، كما يراه الطنطاوي “هو إجراءات مرتبطة بتوقيتات وليس مجرد كلام جميل نكتبه في موضوعات التعبير”، لذلك يجب “أن ينتهي إلى شيء، يقول ماذا سنفعل ومتى، ومن المسؤول عن التنفيذ، وعلى الأمانة العامة أن تتولى على مدار عام بعد الحوار إصدار تقارير دورية تنشر على الرأي العام بما تحقق من هذه النتائج التي انتهى إليها الحوار، وما لم يتحقق ومن المسئول عن التعطيل”.
هذه التصورات من الطنطاوي عن الحوار قد تصطدم برفض النظام، فهل هناك خطة بديلة؟
لا يبدو أن السياسة التي تسعى إلى المواءمة، للخروج بأي مكسب من أي فرصة متاحة، تشغل تفكير الطنطاوي، أو تؤثر على قراراته، فبدون هذه الضوابط، يؤكد البرلماني “لن يشارك حزب الكرامة في الحوار”.
وينتظر الصحفي الذي عطله العمل السياسي عن وظيفته الأولى من شركاء حزبه في الحركة الديمقراطية الذين وقعوا على البيان أن يتخذوا “الموقف نفسه” قائلًا “اتفقنا وتوافقنا ألا ينتظر أحد منا أن نشتري خاطره على حساب الوطن، وننتظر من الجميع أن يتعاملوا بنفس هذه الروح والجدية. لا أحد يتخيل أو يتوقع لو أحد منا بيعمل حاجات على جنب، أن نطبطب عليه ونقول إن هناك وجهات نظر أخرى، فمرة ثانية لا يمكن أن نشتري خاطر بعض على حساب الوطن”.
وتابع “ولا أقول هذا الكلام بمنطق سوء الظن، ولكن قصدي هو تطمين من سيقرأ هذا الكلام وما زال متشككًا أو رافضًا أصلا للحوار. أقول لهم إن وجهة نظركم مقدرة ومحترمة ومقبولة ولها وجاهتها، لكن لأننا في موقع المسؤولية ليس لدينا ترف الرفض من حيث المبدأ. وربما لو لم أكن في موقع المسؤولية كنت سأقول ما الذي يجبرني كحزب على الجلوس مع السلطة أصلًا، فأنا لدي ضوابط أخرى فوق الحد الأدنى الذي التزمنا به في البيان، فما توافقنا عليه في البيان هو الحد الأدنى الذي يجعلنا نشارك”.
يعي الطنطاوي ما واجهته دعوة الرئيس من بعض القوة السياسية والمجتمعية من تشكيك، ويؤكد “منذ اللحظة الأولى فكرت في هذا الأمر، فهل سنبحث عن الأمنيات أم التوقعات؟
لو كان القياس على التوقعات سيكون من الطبيعي أن نقول إننا لا ننتظر شيئا، فالتوقعات ستكون مبنية على الخبرة السابقة”، ويضيف “حتى لا نصادر على أدنى فرصة يمكن أن نقول خلالها إن السلطة تعلمت درسًا من الماضي قبلنا الحوار من حيث المبدأ. ولكن المؤكد أن على السلطة أن تنسى تمامًا إمكانية أن تفعل ما تريد وتستدعينا لكي نبصم عليه، هذا لن يحدث مهما حاولوا”.
ويكمل “هناك الكثيرون الذين يمكنهم أن يفعلوا ذلك لكن هل نحن منهم؟ بالتأكيد لا. ولو حدث هذا فلن تستطيع السلطة أن تقنع الرأي العام بأن حوارًا جادًا قد حدث وأن المعارضة كانت حاضرة، فعلى سبيل المثال كل ما أعلنه رئيس الجمهورية من إجراءات اقتصادية في إفطار رمضان بالنسبة لنا في حزب الكرامة مرفوض. وما أعلنه رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي يوم 15 مايو مرفوض. والبيان الصادر عن رئيس الوزراء عن إجراءات لمشاركة القطاع الخاص في المدارس والموانيء والمستشفيات مرفوض”.
كان الرئيس السيسي أعلن في إفطار الأسرة المصرية عن بعض الإجراءات تخص مواجهة الأزمة الاقتصادية التي طرأت عقب الحرب الروسية الأوكرانية، فيما أعلن رئيس الوزراء عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة. هناك بديل رغم ذلك؟!
في كل ما تطرحه المعارضة المصرية هناك سؤال يواجهها باستمرار، هل لديها برامج سياسية وكوادر يمكنها أن تكون بديلًا جادًا وجيدا للنظام الحالي؟ السؤال الذي لا ينقطع أبدًا يعترض عليه الطنطاوي قائلًا “اللي عايز يقولنا إنه شعب بهذا التاريخ وبهذه الحضارة و100 مليون وأكتر مفيهمش قيادات، الأول لازم يبين أمارة إنه هو استثنائي ومحصلش. دا الأول يعني. وبعدين بعد ما يبين الأمارة دي ويسأل، نقوله دا عيب وميصحش، لأنه دي دولة عظيمة ولا تعدم الكفاءات”.
في محاولات السيطرة على عقول الناس والإيحاء بالنجاح الكبير للسلطة يرى الطنطاوي أن أحدًا لا يمكنه خداع الشعب الذي يملك من الوعي ما يمكنه من الفرز الجيد “إقناع الناس بالإنجازات صعب إذا لم يتم ترجمة هذا الحديث إلى أجور وعلاج ومدارس وفرص عمل، والأكيد أننا لن نتفق أبدًا إذا ركزنا في الحديث عن الماضي، فالنقطة شديدة السوء التي أوصلتنا لها السلطة الحالية لم تترك لنا ترف الخلاف الفكري. ما نحتاجه الآن هو برنامج إنقاذ نتفق فيه على مفاهيم عامة مثل مكافحة الفساد والحكم الرشيد”.
ويضيف “مستهدفنا في القوى المدنية أن نتفق في مفاهيم الإصلاح السياسي، وليس مطروحًا أن نتفق على مفهوم للإصلاح الاقتصادي، ولكن يكفي أن نتفق على قواعد عامة. فالمعارضة متنوعة بين اليساري والليبرالي والناصري، والأكيد أننا لا نريد أن نحرم الشعب المصري من هذا التنوع”، ويضيف موجها حديثه إلى السلطة “فكرة السلطة الأبوية من نوعية “أنا ما ضيعتكمش قبل كده وأنتم في يد أمينة” وغيرها انتهت منذ زمن طويل ولا يمكن أن تعود مرة أخرى”.
مازلت لا أحب الرئيس السيسي !
في عام 2015 أصبح الطنطاوي عضوًا في البرلمان عن دائرة دسوق وقلين في لحظة سياسية مأزومة لا تختلف كثيرًا عن الوضع الحالي، وفي 2020 ترشح ثانيةً بعد تعديل الدوائر الانتخابية، مرشحًا عن دائرة كفر الشيخ وقلين هذه المرة، لتعلن الهيئة الوطنية للانتخابات خسارته، في إعلان طعن ضده أمام محكمة النقض. وهو أداء ربما يتعارض مع ما أبداه في حواره من موقف راديكالي من التغيير والتعاون مع سلطة يرفض إجراءاتها على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
لكن الطنطاوي يملك رأيًا آخر، يقول “من يرى أن مشاركتي كانت غير مجدية أو غير جيدة له كل الاحترام والاهتمام، فقد كنت موظفًا عموميًا ومن الطبيعي أن أخضع للتقييم، فلم أدخل المجلس لتسجيل مواقف وكفى، ولا أغضب أبدًا من النقد، ولكن الأكيد أني حاولت بقدر استطاعتي تمثيل الناس. وكان الجهد الأكبر لا يظهر للناس لأنه يتم في لجان المجلس وليس في الجلسات العامة التي لا يستغرق الحوار فيها سوى دقائق. في هذه اللجان كنت أجلس على التفاصيل وأحاول الإصلاح والتحسين والتعديل، وربما أن حب الشعب المصري الذي هو وسام شرف بالنسبة لي سببه أنه صدق أنني كنت أحاول فعل شيء ما لصالحه ولصالح البلد. ولكن للأسف كل المؤشرات العالمية ليست في صالحنا، انظر إلى مؤشر حرية الصحافة، أو التنمية البشرية، أو غيرها، وقس مصر بالدول المجاورة. اليوم كان من حقنا انتقال سلمي ديمقراطي للسلطة، وكان من حق المصريين أول انتقال سلمي حقيقي”.
ويكشف الطنطاوي خلال حديثه “كنت أميل إلى عدم الترشح في انتخابات البرلمان مرة أخرى، ولكن النصائح من المقربين كانت أنه يجب أن تترفع عن همك الشخصي لصالح الهم العام. وكانت مهمتي خلال الانتخابات أن أثبت للناس أنكم قادرون على الانتصار علي السلطة بكل أدواتها وقمعها. تعرضت لكل صور المنع والحصار في دائرتي ومع ذلك فإن الناس انتصرت، وحصلت على أعلى الأصوات في الانتخابات، وتحليت بأعلى درجات المسؤولية، ولجأت إلى القضاء فالفصل في صحة العضوية مسؤولية محكمة النقض، والمفروض الفصل يتم خلال 60 يومًا طبقا للدستور. أنا وعدت الناس الحصول على حقوقهم بطرق قانونية وما زلنا في المحكمة منذ عام ونصف”.
مواقف الطنطاوي السياسية كان من الطبيعي أن تعرضه لأزمات مع السلطة وأن يتم الضغط عليه سياسيا لتعديلها، لكن أبرزها كانت انتقاده للرئيس علانية في البرلمان، وتصريحه بأنه لا يحب رئيس الجمهورية ولا يثق في أدائه السياسي، وهو تصريح أثار ضجة وقتها. يقول الطنطاوي تعليقًا على تلك الواقعة، التي لم يتحدث عنها منذ ذلك الحين “أي شخص يعرض على المواطنين هناك من يرضى عنه وهناك من لا يرضون عنه، وهناك استلطاف وعدم استلطاف حتى في اختيارات الناخبين، والمؤكد أنه لا علاقة شخصية بيني وبين السيد رئيس الجمهورية، ووقت أن تحدثت في البرلمان لم أكن أعاني من ظلم شخصي يدفعني لقول هذا، والاختيار بالنسبة لي كان بسيطًا أنت وكيل من؟”.
ويضيف “ثانيًا، إذا اعترفت بحق الناس ومنهم نواب في حب الرئيس فلا بد أن تعترف بحق مواطن أو نائب آخر في عدم حب الرئيس، هل تغير رأيي؟ لا لم يتغير فلم يحدث أي شيء يجعلني أغير رأيي. هل ده تعنت وتعسف؟ بالتأكيد لا، فكما قلت ليس هناك أمور شخصية ولم أكن أتصرف بمنطق ليس لدي ما أخسره، ويمكن أن يتغير رأيي إذا كان هناك أمور تجعلني أغيره. والمؤكد أني أحلم بحق الجميع في تقييم رئيس الجمهورية، تقييم يراعي القانون ويحفظ لمقام الرئاسة حقه، لكن لا يفتئت على حق المواطن في أن يكون له رأي ولا يدفع ثمنه. هل أُقر التجاوزات أو الإساءة؟ لا طبعا، ولا أتصرف هكذا، ولكن علينا تذكر أن السلطة هي التي سمحت بهذا وقت أن سمحت بإذاعة تسريبات في التليفزيون للمعارضين، ثم تستمر المفارقة لدرجة عرض تسريبات لناس كانوا لديها ويجلسون معها وفي عمل فني ودرامي”.
المصدر: الشادوف+المنصة