أحمد حسن الشرقاوي يكتب: القدس نقطة التقاء المشرق الإسلامي
الكلمة جهاد.. وجهاد الكلمة أن تتحمل أي نوع من الابتلاء حتى تتمكن من أن تقول كلمة حق مهما كانت الظروف. وأعلى درجات الجهاد هي كلمة حق فى وجه سلطان جائر.
وبالمناسبة السلطان الجائر ليس شرطا أن يكون طاغية فردا مستبدا متجبرا، بل ربما يكون هذا السلطان الجائر كيانا عنصريا مغتصبا، يجور على حقوق أصحاب الأرض ويسرقها تحت العديد من الذرائع.
لماذا أقول هذا الآن، ببساطة لأن الفيسبوك قام بتذكيري قبل قليل بتغريدة نشرت فيها مقالا كتبته لجريدة “العرب” القطرية ونشر فى العام 2017 بعنوان: القدس نقطة التقاء المشرق الاسلامي، في إطار خطوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب آنذاك بالاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الكيان الصهيوني.
قرأت المقال مجددا بعقل وقلب من عاش تفاصيل وكواليس عملية ( سيف القدس ) البطولية ( 10-21 مايو / آيار 2021 ) التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة مؤخرا، وتوقفت عند تشبيه القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان بأنه مثل ( اللقاح ) الذي يضمن للجسم دخول فيروس ضعيف أو ميت حتى يتمكن الجهاز المناعي من تكوين “حصانة” ضده!!
توقفت عند التشبيه الذي أطلقته قبل جائحة الكورونا وقبل أن يعرف الكثيرون معلومات كثيرة عن اللقاحات، وقلت سبحان الله، لعل قرار ترمب كان بمثابة الفيروس الضعيف الذي قام بتحفيز جسد الأمة كلها لتكوين حصانة ضده بدأت حاليا فى عملية ( سيف القدس) وإن شاء الله تستمر حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين، من النهر الى البحر.
ثم تذكرت مقالا آخر كتبته عن ردود الأفعال العربية والدولية على قرار ترمب، تناولت فيه ردود الأفعال الباهتة الخافتة من الأنظمة العربية على تلك الخطوة غير المسبوقة.
هرعت للبحث عن المقال الثاني، ووجدت أنني عنونته بـعنوان يقول: ” القدس والرد الإسفنجي”..ونشرته أيضا في صحيفة العرب القطرية بتاريخ 30 ديسمبر 2017.
تيقنت بعد قراءة هذين المقالين، أن كلمات الكاتب لا تذهب أدراج الرياح، واليكم نص المقالتين التي لا يزيد عدد كلمات كل منهما عن 500 كلمة فقط .
المقال الأول:
القدس نقطة التقاء المشرق الإسلامي
الأمم والشعوب -مثل الأفراد- تتعرض للوهن والضعف وتصاب بالمرض، تعيش فترات شباب وفتوة وقوة، كما تعيش فترات ضعف وانحلال، وربما انهيار وزوال.
هذه سنة من سنن الله -سبحانه وتعالى- فى كونه، وفي خلقه، والتاريخ خير شاهد على ما نقول.
كتب أنتوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني «1955-1957» في مذكراته عن لقاء نادر جمعه بجمال عبدالناصر، عندما كان إيدن وزيراً للخارجية، وقبيل توليه رئاسة الوزراء في بلاده، وتحدث ناصر في هذا اللقاء عن فكرة القومية العربية أمام إيدن، الذي درس اللغات وتاريخ المشرق الإسلامي بجامعة أوكسفورد العريقة، ويتحدث العربية والفارسية والتركية بطلاقة.
جمال عبدالناصر -كما روى محمد حسنين هيكل فى كتابه: «ملفات السويس-حرب الثلاثين عاماً» في طبعته الإنجليزية- يقول: إن ناصر استفاض في الحديث عن القومية العربية التي تجمع شعوب المنطقة، بينما كان إيدن ينصت باهتمام، ثم سأل إيدن جمال عبدالناصر: هل تعرف عدد اللغات في المنطقة، وكم عرقاً وطائفة في بلدان المنطقة، وهل لدى ناصر وزملائه من الضباط معرفة عميقة بتاريخ العلاقات بين تلك الطوائف والشعوب واللغات المختلفة؟!
ويؤكد هيكل في كتابه أن كيمياء الانسجام بين ناصر وإيدن لم تكن على ما يرام، وأن أسلوب الحوار انجرف إلى لغة حادة وكلمات عدائية، عندما انبرى ناصر للحديث عن رغبة القاهرة في تحقيق الوحدة العربية وآمال الشعوب العربية التي ترتبط بقوميتها ولغتها، وهنا حاول إيدن -الأرستقراطي المثقف كما كان يطلق عليه- تخفيف نبرة الحوار بالقول: إن دراساته فى جامعة أوكسفورد، وإجادته لثلاث لغات شرق أوسطية، تؤكد جميعاً أن الرابط الوحيد الأقوى على الإطلاق بين شعوب المنطقة، ليس القومية العربية، ولا اللغة الواحدة، ولا حتى المصير المشترك، بل إنه الدين الإسلامي الذي وحد بين كل هذا «الموزاييك» العرقي والطائفي واللغوي في نسيج واحد، صنع أمة استطاعت أن تمتد حدودها من الصين شرقاً إلى المغرب غرباً.
وبدا أن عبدالناصر لم يقتنع بما قاله إيدن، وازداد التباعد بين مواقف الرجلين، حتي تواجها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي شاركت فيه بريطانيا إلى جانب فرنسا وإسرائيل، وكان سبباً مباشراً في استقالة أنتوني إيدن، واعتزاله العمل السياسي، خصوصاً بعد تدهور حالته الصحية.
المهم، أن فكرة الأمة لا تزال تراود عقول المثقفين العرب، بعضهم يعتبرها فقط أمة عربية، وآخرون يرونها أمة إسلامية، تضم العرب وغير العرب تحت راية الدين الإسلامي.
وسواء كانت أمتنا عربية أو إسلامية أو «عربية إسلامية» في آن واحد، فإنها تصاب بالوهن والضعف، كما تصاب الأجساد البشرية بالمرض والهزال.
ويثبت التاريخ أن التحديات التي واجهتها الأمة كانت بمثابة «المصل» الذي حقن جسدها بفيروسات ساعدت الجهاز المناعي لخلق الأجسام المضادة، التي تحقق فكرة «الحصانة» ضد هذا المرض وتلك التحديات.
هذه هي فكرة تطعيم أطفالنا في الصغر ضد الأمراض مثل الحصبة وشلل الأطفال والجدري وغيرها من الأمراض، المصل ليس سوى فيروسات المرض ضعيفة أو ميتة، التي تحفز الأجساد البشرية على تكوين المناعة اللازمة لهزيمة تلك الفيروسات طوال العمر.
تقديري أن حصار قطر ساهم في زيادة مناعتها واستقلال قرارها، وإعلان ترمب اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني اللقيط سيساهم في تحفيز جسد الأمة العربية والإسلامية لخلق الأجسام المضادة، وزيادة مناعة الأمة فى مواجهة أعدائها، وإن غداً لناظره قريب. ( انتهى المقال 1 )
المقال الثاني:
القدس والرد «الإسفنجي»!
ردود الأفعال منها ما هو رادع قوي بوضوح.. تخشاه الأعداء، وتحسب له ألف حساب، ومنها ما هو لين خافت ضعيف، لا يردع خصماً ولا يرد ظلماً، ولا يسر صديقاً مؤيداً بل يسعد كل عدو متربص.. القدس قضية عربية بالأساس، لكنها أيضاً قضية المسلمين، وقضية كل الأحرار في العالم، هي قضية إنسانية عربية إسلامية.
المهم، وبدون الاستغراق في مقدمات طويلة، فإن الكتابة عن القدس من أصعب ما يمكن أن يكتبه كاتب ملتزم بقضايا أمته في حياته كلها، الكتابة عن القدس كتابة ليست بمداد الحبر، ولكنها بمداد الدم الذي يسري في العروق، وكلما تواترت الكلمات تشعر بأن ألمها يشبه ألم النزيف.. أشعر كأنني أقطع شرايين يدي عندما أكتب عن القدس، والمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين. أشعر بعجز شديد يشبه عجز من ينزف الدم ولا يملك شيئاً تجاه وقف النزيف سوى الصراخ المتواصل من الألم. صراخ يستمر لفترة قبل أن يتمكن الوهن والضعف منه، فيسكت ويتوقف عن الصراخ، ويستسلم للموت!
كان هذا هو شعوري في الأيام الماضية، لكن عندما شاهدت الشعوب تنتفض في الشوارع، وعندما تابعت موقعة «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، وكيف صوتت 128 دولة لصالح الحق وانحازت إلى الحقيقة، قررت ألا أستسلم لهذا الموت السريري البطيء، فلا يزال هناك أمل، والنزيف يمكن أن يتوقف.
لا يجب أن يموت بسهولة من يطالب بالحق، ويعمل على إيقاظ الأمة من سباتها العميق.
الأمة -إن شاء الله- لن تموت، ولا يجب أبداً أن تموت.
لن أضيف الكثير عندما أصف قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني باللقيط، في 6 ديسمبر 2017، فقد وصفه كثيرون غيري بالكثير من الأوصاف، منها وصفه بالأحمق، أو غير المسؤول، أو غيرها من الأوصاف الأخرى، لكن تؤلمني عبارات بعض الأنظمة التي يحكمها صبية جاهلون فاشلون جهلة متآمرون وخونة، وبعض الأبواق الإعلامية التي تعكس مواقف هؤلاء الصبية، فهم يغلفون عباراتهم في الرفض والاستنكار في «ورق سوليفان دبلوماسي أنيق»، وردود أفعالهم وتعاملهم مع قضية القدس يشبه ما يمكن أن أسميه «الرد الإسفنجي» الذي يستهدف بالدرجة الأولى امتصاص غضبة الشعوب العربية والإسلامية، وتجنّب إحراج حلفاء حكام تلك الأنظمة من الصهاينة والمتصهينين في شتى أنحاء العالم.
وفي تقديري أن الرد غير الإسفنجي، الذي يكفل ردع المعتدين على أقدس مقدسات أمتنا في القدس، اقتراح بسيط من العبد لله، وهو قيام علماء ثقات في الشريعة الإسلامية في أنحاء متعددة من الأمة: في إندونيسيا أو ماليزيا، وفي فلسطين، وبلاد الحرمين، والأزهر الشريف بالقاهرة، وفي المغرب العربي، بإعلان «حالة التعبئة والاستنفار العام» بين أبناء الأمة وشعوبها، حتى تتم استعادة مقدساتنا. حل بسيط بعيد عن الحكومات، حل شعبي غير رسمي. فكروا فيه ملياً، فإنه مجرد اقتراح بمقدوره ردع المعتدين. (انتهي مقال2)
أحمد حسن الشرقاوي
صحافي مصري
نائب مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية سابقا
مدير مكتب وكالة الأنباء المصرية ( أ.ش.أ) في لندن ( 2002-2006 )
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الآراء الواردة فى مقالات الرأي تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو سياساته التحريرية